قصص ضميرها نائم !
أحيانًا أقول إن الروائيين ليسوا بحاجة لابتكار شخصيات وقصص، العالم مليء بالشخصيات التي لا تُصدّق لولا أنها فعلًا موجودة.
بعض هذه القصص الواقعية مثيرة للاستغراب لشدة جرأة أصحابها. في الهند قرأت حكاية رجل أقام «محكمة» خاصة، ونصّب نفسه قاضيًا، ووظف مساعدين حراس للمبنى الصغير في إحدى ضواحي المدن، وعلى مدار 5 سنوات أصدر مئات الأحكام في نزاعات الأراضي والأملاك، استلم خلالها مئات الرشاوى، وحكم بالظلم على من لا يدفع. عاش في البلدة المكتظة بالسكان حياة البلطجة الناعمة، ولم يكتشف أمره إلا بعد أن احتج أحد المتضررين لمحكمة عليا، وبعد التحقيق تم اكتشاف الأمر وألقي القبض عليه وعلى مساعديه. أثناء اقتياده اعتبر القاضي المزيف نفسه مظلومًا، وأنه أراد مساعدة القضاء وحل المشاكل بين الناس. عندما تأملت الحكاية لم أهتم بذكائه وجرأته، إنما بحجم قسوته وتعايشه معها، وكيف طوّع ضميره للدرجة التي سمح له بالنوم العميق! العجيب ليس في قدرة عقل الإنسان الكبيرة في الابتكار والتطور، بل في تخاذل الضمير عندما يتم تحويل الأفكار والابتكارات لأعمال شريرة. بالمناسبة.. قال بعض أهالي البلدة إن قاضي البلدة كان «طيبًا» وكانت له بعض أعمال الخير. ربما أراد طمر الضمير أكثر.
في حكاية عجيبة ثانية استعان منفذها بالذكاء الاصطناعي، استطاع المحتال أن يصنع فتاة فائقة الجمال، فتح لها حسابًا على الإنستجرام، وسجل لها مقاطع فيديو وهي تتحدث لجمهورها بنعومة، وفيديوهات قصيرة «9 ثوان» وهي تمارس التمارين الرياضية، أو تقود سيارتها. كان من الصعب جدًا اكتشاف أنها مجرد رسم متحرك نفذه الذكاء الاصطناعي، وكان من الصعب أيضًا أن ينجو من عشقها بعض الشباب المندفعين. ما فعله صاحب الحساب أنه أغلق المراسلات المباشرة، وعلى من يريد التحدث «معها» مراسلتها عبر تطبيق آخر يتقاضى مالًا يقتسمه مع صاحب الحساب. بعد حوالي 5 أشهر أعلن المحتال أنه هو من كان يدير الحساب، وأن الفتاة مجرد صناعة نفذها عبر الذكاء الاصطناعي، وكان المحتال صريحًا عندما أعلن عن جمعه مبلغًا تجاوز الـ 250 ألف يورو، كانت بين أرباح المراسلات والهدايا التي تلقاها من عشاقها ! أعلم أن الذين وقعوا في غرام الفتاة الصناعية جذبهم جمالها، والجمال سحر يندر مقاومته، لكن ما أثار حزني أن بعض الشباب كانوا صادقين في حبهم، وخضعوا بشكل يثير الشفقة حسب قول صاحب الحساب. قرأت بعض التعليقات التي لامت الشباب الضحايا، وأنا هنا لا أعترض على اللوم ولا أناقشه، لكني أتفهم أن للجمال سُلطة لا يهزمها أقوى مصارع في العالم!.