2024-11-27 | 15:19 قصص رياضية

رغبة فيلومينا تنتشل كانسيلو من قاع البئر

الرياض ـ حاتم سالم
مشاركة الخبر      

من النقيض إلى النقيض، ينتقل النجم البرتغالي جواو كانسيلو، ظهير فريق الهلال الأول لكرة القدم، بسرعةٍ فائقةٍ بعد إحرازه هدفًا. لحظةٌ مهيبةٌ على المستوى الشخصي، تتلاشى فيها مؤقّتًا فرحتُه، فينعزلُ بوجدانِه عن محيطه الصاخب، ليتذكر الإنسانة التي غيَّرت مجرى حياتِه ويبعث لها رسالة وفاء، سرعان ما يعود بعدها إلى أجواء المعارك الكروية.
قبل 10 أشهر، سُئِل كانسيلو في لقاءٍ إعلامي عن الحدث الذي شكَّل نقطة تحوّل في حياته، فقال: «من دون شك، وفاة والدتي».
في 5 يناير 2013، أوصلت فيلومينا، والدة اللاعب، زوجها جوزيف إلى المطار في لشبونة، العاصمة البرتغالية، ليُسافِر إلى سويسرا.
كان جواو وشقيقه بيدرو يجلسان في الأريكة الخلفية. وعلى طريق العودة إلى المنزل، تعرضت السيارة «أودي 3» إلى حادث تصادم أنهى حياة الأم، خلف المقود، فيما أصيب الشقيقان بجروح طفيفة.
فقد كانسيلو، الذي كان عمره 18 عامًا، «نور حياته»، كما وصفها، وفكّر بجدية في الابتعاد عن ميدان كرة القدم. تساءل عن جدوى الاستمرار في اللعب، وكان حينها ينشط بالفعل وبصفة أساسية مع فريق بنفيكا البرتغالي الرديف.
يحكي اللاعب في حوارٍ صحافي: «عندما فقدت والدتي، شعرت وكأنني في قاع بئر.. شعرت وكأنني إنسان آلي يجب أن يؤدي وظيفته ثم يعود إلى المنزل.. لم أعد أستمتع بالكرة، كنت ألعب لأنني مضطر لذلك، فكرت حقًا في الاستسلام لأن الأمر لم يعد منطقيًا».
لاحظ منسوبو نادي بنفيكا تدهور نفسية لاعبهم، تحدثوا معه كثيرًا، وطالبوه بالاستمرار، مؤكدين إيمانهم بقدراته.
وفي إطار الأسرة، قال له جوزيف، والده الذي عاد نهائيًا من سويسرا، إنه وبيدرو في حاجةٍ إليه، وإن عليه أن يبقى قويًا ويواصل اللعبة.
في تلك الأوقات، وقّع كانسيلو عقدًا احترافيًا مع النادي، وأنفق الكثير من أمواله لدعم أسرته.
يُوضِّح الظهير المهاري: «قررتُ الاستمرار في اللعب، لم يكن الأمر سهلًا في البداية، لم تكن لديّ قوة أو رغبة، لكن تلك المحادثة مع والدي والحب الذي أشعُر به تجاه هذه الرياضة جعلاني أتغلب على كل شيء».
دافعٌ رئيس آخر ساعده على اتخاذ قراره المفصلي بالمواصلة، وهو رغبة فيلومينا في رؤيته لاعبًا ناجحًا. كانت الراحلة «جزءًا كبيرًا» كما قال ابنها من حبِّه للكرة.
بدأ هذا الحب يعود تدريجيًا، وعادت ابتسامة جواو ببطء. عن ذلك يقول: «هذه هي الحياة، مهما كانت خسائرنا كبيرة، يتعيّن علينا الاستمرار، قرأت الكثير من الأشياء عن المحاربين وبعض الأشياء ترددت في ذهني حقًا».
بحلول صيف العام التالي، انتقل كانسيلو إلى فالنسيا في الدوري الإسباني، وانطلقت رحلته الزاخرة بالنجاحات الفردية والجماعية. لَعِب لنخبةٍ من أكبر الأندية على المستوى العالمي، إنتر ميلان ويوفنتوس في إيطاليا، ومانشستر سيتي الإنجليزي، وبايرن ميونيخ الألماني، وبرشلونة الإسباني. تُوِّج بدوري أبطال أوروبا وألقاب الدوري الإنجليزي والإيطالي والألماني وبطولات أخرى، وأسهم في تتويج بلاده بدوري الأمم الأوروبية. وفرديًا، أعاد بنزعته الهجومية الحادة، التي أحسن المدرب الإسباني بيب جوارديولا توظيفها مع «السيتي»، تعريف أدوار الظهير الأيمن.
مع ذلك، ووسط كل هذا النجاح، ظلَّ جواو يشعرُ بأن شيئًا ما مفقودٌ.
واعترف بذلك قائلًا: «هناك دائمًا شيء مفقود، حتى عندما أحقق شيئًا يكون هناك هذا الشعور دائمًا، يبدو الأمر وكأنني أشعر دائمًا بالفراغ في قلبي لأنها ليست حاضرة جسديًا».
لمراوغة هذه الأحاسيس، كان يزور مقبرتها كلَّما سنحت له الفرصة. أمام قبرها في البرتغال، كان يشعر، كما يقول، بالرضا، وكان يطرد الطاقة السلبية، ويكتسب قدرًا من السعادة. كما منحته ابنته إليشيا، التي رُزِق بها عام 2019، الكثير من المشاعر الإيجابية، حتى قال إنها ربَّما نافست فيلومينا داخل قلبه.
في الملعب، يشعر كانسيلو أحيانًا أن والدته، التي مرَّ وقت طويل على رحيلها، تراقبه.
لا ينساها أبدًا، ولذلك يرفع يديه إلى الأعلى بعد أغلب أهدافه، مُتذكّرًا إياها، في لفتة وفاءٍ للسيدة التي عاش معها لحظاتٍ رائعة.
قبل وفاة فيلومينا، كان جواو طفلًا متمردًا يرتكب الكثير من الأخطاء ويَصعُب فِهمُه. وداخل بنفيكا، لم يكن جادًا، على الرغم من ثقتِه بقدراته، وكثيرًا ما كان زملاؤه ينتقدونه.
لكن بعد حادث السيارة المؤلم، تحوَّل، وفق ما ذكَر عن نفسه، إلى ركيزةٍ أساسيةٍ في حياة أسرته، وأخذ كرة القدم على محمل الجد، وحقق ما كانت أمُّه تتمناه وتحضُّه عليه.