براويز.. وزمن السرعة
* منذ الثمانينيات الميلادية وأنا أسمع أن الزمن اليوم هو زمن السرعة، متى يهدأ الزمن ويصبح عاديًا لا مسرعًا ولا بطيئًا؟ أعتقد أن (زمن السرعة) لم تكن إلا حجة (لكروّتة) الأشياء، حينها قدم مغنون أغاني قصيرة وضعيفة في اللحن والكلمات مثل (يلا بينا يلا) لمحمد فؤاد و(لولاكي) لعلي حميدة رحمه الله، ولمداراة ضعفهم وضعف أغانيهم قالوا هذا زمن السرعة، والمستمع لا يملك الوقت الكافي للاستماع للأغاني الطويلة، مع أن الأغاني الطويلة لأم كلثوم وعبد الحليم ومحمد عبده وفنانين كثر كانت وما زالت تحقق نسب استماع عالية رغم مرور عشرات السنين على صدورها. قبل أيام وجدت على اليوتيوب أغنية مدتها أقل من ثلاث دقائق، بينما كانت مثل هذه المدة مجرد مقدمات موسيقية لأغاني الفنانين في الستينيات إلى الثمانينيات، هذه المقدمات تحولت فيما بعد إلى أجمل المقطوعات الموسيقية العربية. حتى في الصناعات قيل هذا (زمن السرعة)، ومن يراجع تفاصيل السيارات والأجهزة الإلكترونية القديمة يجد أن الفارق كبير بينها وبين صناعات اليوم الاستهلاكية. تم تمرير زمن السرعة في الأطعمة أيضًا ابتداءً من الطعام المعلب ووصولًا إلى الوجبات السريعة! لست من جماعة أن القديم أفضل، لكن العمل بفن وجودة عالية لا علاقة لهما بالزمن، لأن عدم الالتزام بهما يعني هبوطًا في المستوى وانخفاضًا في الذوق.
* في (الزمانات) على قول أهل الشام اعتقدت أن الخلافات بين الناس سببها سوء التفاهم فقط، وبمجرد حل السوء تزول المشاكل، ولو استطاع البشر تحسين أسلوبهم في الكلام لانتهت مشاكلهم وعم السلام. كان تفكيري بسيطًا لأن عقلي كان بسيطًا، ولا أدعي اليوم أنه أصبح حكيمًا، لا أبدًا، ولكن التقدم في العمر يحسّن عمل العقل، يجعله واقعيًا أكثر. مع الزمن يبدأ العقل في تأطير الناس، يضعهم داخل براويز صور، ولكل شخص له بروازه الذي يعيش فيه، برواز الطيب الذي يرى السعادة التي في الحياة تكفي الجميع، ودوره هو توصيلها للناس، وبرواز الطماع الذي يعيش ويرحل طماعًا، يقاتل من أجل طمعه، ويجند في سبيله الكلمات والحجج والدراسات والاستبيانات والكتب التاريخية وحتى مجلات الأطفال إن كانت تدعم تبريره، وهناك من يعيش في برواز البخيل، يعرف المثل القائل احفظ قرشك الأبيض ليومك الأسود، لكنه يتناسى كل فضائل الكرم. الحياة مليئة بالصور داخل البراويز، وجوه تلعب أدوارها في الحياة، صراع الخير والشر الذي لا ينتهي. المهم أن نؤدي دور الخير الذي ولدنا من أجل تأديته، أو على الأقل أن لا نؤذي أحدًا.