أكاديمياتنا تحولت لنموذج ربحي
لا أشك لحظة أن أبرز مكونات المواهب السعودية في الثمانينيات والتسعينيات هي وجود "ملاعب الحارة" بكثرة، ويروي موهبة الكرة السعودية يوسف الثنيان في حوار تلفزيوني أنه كان يلعب ثلاثة مباريات في اليوم الواحد من العصر وحتى العاشرة، حتى وإن كانت تلك المباريات في ملاعب ترابية أو لا تخضع لأساليب فنية إلا أنها خرّجت مواهب حقيقية لا تنسى.
نماذج "ملاعب الحارة" اندثرت تقريبًا لاسيما في المدن الكبيرة لأسباب متنوعة، ولم نعد نشاهد جيل البراعم يخططون لملاعب جديدة ويبنون القوائم الخشبية في الأراضي البيضاء داخل الأحياء، ومال كثير منهم نحو التقنية والألعاب الإلكترونية ونشاطات أخرى غير كرة القدم، ناهيك عن الانفتاح الكبير بعد المواسم الترفيهية والفعاليات التي لا تنتهي.
لذلك من الطبيعي أن يكون الحل هو الأكاديميات، ونظريًا الأكاديمية أكثر نفعًا من ملاعب الحارة كونها تميل للتأسيس الفني والعلمي، كاللعب وفقًا لخطط كرة القدم الحديثة، ومهارات التمرير والحركة دون كرة.. وغيرها، لذلك ومع إطلاق برنامج "نافس" من وزارة الرياضة والذي يعنى بتصاريح الأكاديميات والأندية الخاصة شهدنا خلال السنوات الأربع الماضية طفرة كبرى في عدد الأكاديميات في كل مدن المملكة، وأصبح ملعب الحارة الوحيد يقابله الآن ثلاث أو أربع أكاديميات منظمة أكثر، وأحيانًا بطواقم تدريب أوروبية لها خبرات سابقة في المجال.
لكن السؤال: هل خرّجت هذه الأكاديميات التي يتجاوز عددها أكثر من 150 أكاديمية ونادٍ خاص - على الأقل - مخرجات يتم الاعتماد عليها ؟ الجواب هو لا.. ولا بالبنط العريض، والمؤسف أكثر أن مشروع الأكاديميات تحول إلى نموذج مختلف تمامًا عن الفكرة الأساسية، وبدلاً من أن يتحول إلى نموذج هدفه اكتشاف المواهب واستقطاب النجوم، تحولت إلى نموذج ربحي تضخ فيه العائلات مئات الآلاف من الريالات نظير أن يمارس أبناؤهم رياضتهم المفضلة في أكاديمية كروية.
لك أن تتخيل - على سبيل المثال لا الحصر - أن نادي الهلال -، وهو الوحيد الذي فصّل في قائمته المالية من الأندية الأربعة، حقق إيرادًا ماليًا من 14 أكاديمية تتبع له، يقدّر بـ 34 مليون ريال دفعها أولياء أمور الأطفال والشبّان المسجلين، وأذكر لك مواقعًا لها لتدرك - إن كنت محبًا لكرة القدم فعلاً - بأنها مواقع "جني أرباح"، وليست مواقع "جني نجوم".. مثلاً "أكاديمية الهلال في مدارس المملكة - وفي مدارس ابن خلدون - ومدارس الملك فيصل".. وفي جدة "المدرسة الأمريكية العالمية"، ولا أذكر حقيقة أن نجمًا أو موهبة سعودية كروية كانت نتاج أحياء راقية، بل العكس تمامًا، ولا ألوم هنا المدارس ولا النادي، فكلاهما يبحث عن نجاح له "المدرسة تبحث عن بيئة رياضية متقدمة، والنادي يبحث عن عائد يواكب ما تتطلبه المرحلة".
باختصار نحن نجحنا في بناء نموذج مميز وتنظيمي للأكاديميات الكروية، لكن مسارنا اتجه للأسفل عوضًا عن الصعود لأعلى، وأصبح نجاح الأندية والأكاديميات يأتي في ديسمبر لحظة إعلان التقرير المالي والفخر بتحقيق الأرباح، وليس الفخر بتصعيد لاعب إلى درجة أعلى، أو بيع عقد نجم سيعوّل عليه الكثير.
التحدي أمامنا صعب، والبحث عن المواهب أصعب وأصعب، والأهم أن يكون مسارنا أكثر وضوحًا وشفافية، فأكاديمية - غير ربحية - في حي الجرادية بالرياض، أو الخالدية في أبوعريش، أو الحليلة في الأحساء ستخرج مواهب كروية حقيقية، مقارنة بإمكانيات أكاديميات الملقا وحطين بالرياض التي ستخرج شخصيات ناجحة بلاشك ولكن ليس في كرة القدم.