المدرَّج
في المدرج نشاهد الملعب من أعلى، نلاحظ تمركز اللاعبين والفراغات، جميعنا على المدرّج ننظر من بعيد. كل ما نقوله من تعليقات على اللاعبين لا تغيّر شيئًا، لأننا لسنا على أرض الملعب، ولو نزلنا وتحولنا إلى لاعبين لفقدنا رؤية المدرج، وأصبحنا نعاني من انسداد الرؤية من عدة اتجاهات، ومن نقص المهارات، وقد نسقط سريعًا لفرط الجهد البدني الذي لم نكن نشعر به على اللاعبين ونحن على كراسي المدرّج.
في الحياة يسهل توجيه النصائح والتعليمات وربما الشتائم إلى غيرنا، نحكم عليهم من واقع تمركزنا وليس تمركزهم، ونلومهم على انسداد رؤيتهم بينما ننظر لهم من الأعلى. الأبطال في الحياة أولئك الذين يعذرون الآخرين، مكتفين بقول: الله أعلم بظروفه أو ظروفهم. هؤلاء القلة في كل جماعة، وصلوا إلى مرحلة ذهبية من الفهم، و«الرَوّقان» الذي يُغبطون عليه، وقد يحسدون عليه لندرته. هم تحديدًا الصامتون الذين لا تراهم يوجهون اللاعبين ويلومونهم وهم على المدرّج، هؤلاء يصفقون ويحتفلون إذا سجل فريقهم هدفًا، والصامتون إذا سُجل فيهم هدفًا.
في التعاملات اليومية للغالبية التي على المدرج، وأنا بالطبع أولهم، نلوم شخصًا تأخر علينا في أمر ما، قد نقول بأنه لا يحترم المواعيد، ولا يحترم كلمته، وقد نؤلف محاضرة في أهمية التزام المرء بالكلمة، وأنها هي من تحدد نوع شخصيته، ودرجة احترامها وسمعتها، لكننا إذا تبدلت الأدوار وهذا أمر لا مفر منه في الحياة، وأصبحنا نحن في موقع من ألّفنا له المحاضرة، نبدأ بتأليف محاضرة جديدة عن أهمية تفهّم الآخرين وما يمرون به من ضغوطات، وقد نصف الطرف الآخر بالجشع وسوء الأخلاق!
بصراحة عملية الوصول للمرحلة الذهبية و«الروّقان» ليست سهلة، لكن يمكن تعلمها إن لم تكن في الشخصية بالأساس، لكنها تتطلب أطنانًا من الصبر، وحمولة من الرضى بعد الخسارة، وثباتًا على الموقف الطيّب، وقدرة على نسيان ما فعلته من خير لغيرك. أعلم أنها مواصفات غير عادية، وهذا ما ميّز أبطال الحياة، وأعطاهم سمعة من ذهب.