من حكايات الديوانية
حكاية من الحكايات التي سمعتها في «ديوانية» والدي رحمه الله، وهي من الحكايات المحببة لرواد الديوانية، كونهم بقوا عدة أيام يرددون خاتمتها بعد سماعهم لها لأول مرة. اليوم وبعد مضي سنوات طويلة صرت أحن لتلك الديوانية، بعدما كنت أتذمر في داخلي من كثرة صب القهوة والشاي، وعلمت إلى أي درجة كانت بمعايير رفيعة، كان يمنع فيها الغيبة منعًا باتًا، كانت أشبه بالصالون الأدبي بطابع شعبي، قبل أن أكتبها لكم، إليكم تعريف مهم لكلمة في الحكاية، كانت «الكعابة» أو «الكعاب» لعبة شعبية لدى الأطفال والصبية أوائل القرن العشرين، والكعابة كلمة مأخوذة من كعب قدم الخروف، حيث فيه مفصل قوي. كانوا يجمعون الكعابة «المفاصل» ويلعبون بها لعبة أشبه بالمصاقيل. كان كل لاعب يختار أقوى كعب ليضرب به كعابة المنافسين، وكان الكعب القوي يسمى بـ «الصول». إليكم الحكاية التي رواها أبو عبد الله رحمه الله، قالها بلهجته واجتهدت في نقلها، دون تغيير في معناها «يحكى أن رجلًا صالحًا كان يعيش في قرية، كان أهل القرية من شر الناس وأوضعهم أخلاقًا، لا الكبير يرحم الصغير، ولا الصغير يحترم الكبير، الأمانة مفقودة، والكذب أول ما ينطقون به، والجار يسرق جاره، أما الغريب إذا مر عبر القرية سرقوا حتى ثيابه التي يلبسها. حاول الرجل إصلاحهم، حذرهم من سوء أعمالهم، وضياع أخلاقهم، كان من النوع الذي يعتقد أن الإصلاح يحتاج صبرًا طويلًا، لذا صبر على سرقاتهم له، وخياناتهم لعهودهم، وكذبهم المستمر. لكنه مع الزمن أدرك أن لا نفع من نصحهم، لأن معايير الأخلاق عندهم مقلوبة، فالسرقة في أعرافهم شجاعة، والنكث بالعهود شطارة، والكذب مهارة. في يوم من الأيام رأى كيف أنه قضى عمرًا طويلًا محاولًا إصلاحهم، وكيف أنه ضحى من أجلهم بما فيه الكفاية، لم يتزوج خشية على أبنائه أن يعيشوا في مثل هذه البيئة، وكان من هم في عمره لديه أبناء أو أحفاد، لذا قرر الرحيل. عند الفجر، والناس نائمون، خرج باحثًا عن مستقبله، وعن حياة طبيعية. مشى أيامًا وليالي، لم يصادف في طريقه قرية أو بلدة، أنهكه التعب، ونفذ ماؤه وطعامه. بعد أيام رأى بيوتًا من بعيد، وصل إليها فوجد رجالًا وشيوخًا وأطفالًا يلعبون الكعابة، تحدث معهم لكنهم لم يجيبوه، طلب منهم الماء فلم يعيروه اهتمامًا، قال إنه ضيف وعابر سبيل فلم يرد عليه أحد. كانوا منشغلين باللعب وبتبادل السباب فيما بينهم. في الزاوية كان رجل عجوز وقور يجلس وحيدًا، فرح الرجل بمشاهدة الشيخ جالسًا لا يلعب معهم، قال إن هذا هو الحكيم العاقل بينهم، وهو الذي سينقذني من الجوع والعطش. اقترب منه ودار بينهم الحوار التالي.
الرجل: سلام يا عم.. أتصور هالناس ما يستحون.. قلت لهم عطشان.. ضيف.. ولا رودوا علي.
الرجل العجوز: إي والله ما يستحون.. لو أنهم يستحون كان ما سرقوا صولي واتركوني بدون صول!».