ضحكة الديك!
أحفظ الأمثال لكنني لا أستفيد منها، أنسى قيمتها، بل أنساها كلها في الوقت الذي يجب أن أتذكرها. المثل العربي الشهير: لا تسأل عن المرء بل اسأل عن قرينه. هذا المثل الذي لا تقل شهرته عن أشهر مشروب غازي نسيته تمامًا في الأسبوعين الماضيين. غادر قريبي بعد أسبوعين أقامهما معي، غيّر من طبيعة أكلي، اكتشف مطاعم في مدينتي لم أكن أعرفها، كان يسألني عند كل مرة نقرأ فيها المنيو: جربت هذه الأكلة؟ وعندما أجيبه لا، يشعر بسعادة، يبتسم ابتسامة عريضة ثم يقول: اليوم أضبطك! ومن مطعم إلى آخر، ومن مطعم خليجي إلى مطعم إيطالي، ومن لبناني إلى مصري، كان يجادل بائع البقالة على مبالغ صغيرة، لكنه لا يبالي في المبالغ التي ندفعها للمطاعم.
شعرت بأنني أنزلق في منحى زيادة الوزن، وعندما عبَّرت له عن مخاوفي، قال: لا عليك.. بإمكانك العودة إلى طبيعتك القديمة بعدما أغادر. للأمانة.. كان ذواقًا للطعام، لكنه في نفس الوقت ضحّى من أجل لذة الأكل بمظهره العام، لأن كرشه كان متدليًا، يهتز مع كل خطوة يخطوها، وعندما حذرته من ضرر الكرش وكثرة الأكل أجاب: لا عليك.. كل ما يجب فعله هو الطلب من الخياط أن يوّسع الثوب، حينها سيختفي هذا، وكان يشير إلى كرشه.
لا أعرف مَن أقنعه بهذه الفكرة، لقد كان بالفعل يلبس ثوبًا عريضًا، لكن هذا العرض لم يخفِ عرض كرشه. كان يتحدث عن السيارات كثيرًا، لا أذكر مرة كنت أقود السيارة، أو كان هو يقودها، دون أن يتحدث عن سيارة معيّنة، يذكر محاسنها ومساوئها، والفئة الأكثر استخدامًا لها، وأسعارها وهي جديدة، وأسعارها بعد عامين من الاستخدام، وما هي السيارات التي تحافظ على قيمتها، والسيارات التي تفقد قيمتها سريعًا. كان مرور سيارات معينة بالقرب منا محفزًا له، ومنشطًا لذاكرته.
في الحقيقة لا أحب الحديث عن السيارات، أجهل أنواعها، ولا أعرف شيئًا عن الأرقام التي تُذكر عن حجم الماكينات، أحب نوعين أو ثلاثة من السيارات، ولا يهمني إن كنت أقود واحدة منها أولًا، حتى مسألة أن السيارة الفخمة تعطي انطباعًا أوليًّا عن حالة صاحبها المالية لا أؤمن فيه، مع أنه انطباع موجود عند الأكثرية.
قبل مغادرة قريبي بأيام وجدت نفسي أتحدث عن المطاعم، وأي مطعم هو الأفضل في المشاوي، وأيهم الأفضل في الأكلات التي يصاحبها الرز، وبدأت أحرك ذاكرتي أكثر وأستعيد أسماء مطاعم سبق ومررت عليها، ووجدت نفسي أقود أنا الرحلة مقترحًا المطعم الفلاني. ثم وجدت نفسي أثناء ذلك أتحدث عن السيارات، وعن تجاربي معها، وأي سيارة هي الأفضل، وما السيارة التي أود شراءها إذا ما بعت التي أستخدمها الآن. عندما اتجهت به إلى المطار ليغادر، قلت له إن وزني قد زاد، حتى معدتي بدأت تشتكي من وعكات لم أعتد عليها، لكنه أجاب: ستعتاد! لمست في إجابته شيئًا من جنون، قلت له: لقد كنت رفيقًا سيئًا، أكل في المطاعم وأحاديث عن السيارات. أكد لي جنونه عندما أجاب: أحسن من الكذب في الأغاني اللي تقدمها، قلت له سأكتب عنك مقالًا يصفك بالجنون، قال: اكتب. عندما عدت من المطار وحيدًا شعرت بفراغ في السيارة، والآن وبعد مرور يوم كامل على مغادرته أشعر بفراغ كامل. عمومًا.. الحمد لله أن ضحكة قريبي لا تشبه صوت الديك، لو كانت تشبه صوت الديك لربما تعلمتها مثلما تعلمت منه الأكل في المطاعم والاهتمام بتفاصيل السيارات، تخيل أن يقول أحد نكتة فتضحك عليها، وتكون ضحكتك تشبه صوت الديك!