«كفاكم فغيركم يتضرر»
شهدت كرة القدم السعودية في السنوات الأخيرة تحولًا غير مسبوق، خاصةً بعد دخول الأندية مثل الهلال والنصر والاتحاد والأهلي في سباق محموم نحو استقطاب النجوم الأجانب، ضمن مشروع تطوير شامل يهدف إلى رفع مستوى الدوري السعودي وجذب أنظار العالم. ولا شك أن هذه الصفقات الضخمة قد أسهمت في تحسين جودة المنافسة وزيادة الحضور الجماهيري والإعلامي، إلا أن الوجه الآخر لهذه الاستثمارات قد يكون أكثر قتامة، خاصةً بالنسبة لبقية الأندية الـ14 التي تقف عاجزة أمام طوفان المبالغ الضخمة والمزايدات المتصاعدة. عندما يدفع نادٍ مثل الهلال أو النصر عشرات الملايين لصفقة واحدة، يصبح هذا الرقم مرجعية جديدة في السوق. ومع الوقت، يبدأ وكلاء اللاعبين في استخدام هذه الأرقام كسقف مقارن، حتى وإن كان النادي المتفاوض أقل بكثير من حيث الموارد والإمكانات.
فبعض الأندية تجد نفسها مضطرة للدخول في مفاوضات غير متكافئة، وغالبًا ما تُجبر على دفع أكثر من قدرتها الفعلية، أو تتجه إلى خيارات أقل جودة، مما ينعكس سلبًا على التوازن التنافسي في الدوري… ما يحدث اليوم أشبه بـدوريين داخل دوري واحد: أندية تملك القدرة على جذب أفضل الأسماء وصنع الفارق داخل وخارج الملعب، وأندية تكافح فقط لسد الثغرات بأقل التكاليف. هذا الاختلال لا يضر فقط بالمنافسة، بل قد يؤدي إلى مشاكل مالية حقيقية في حال حاولت بعض الأندية مجاراة هذا الإنفاق الجنوني دون وجود موارد كافية.. في ظل هذا الواقع، من الضروري أن تتدخل الجهات المنظمة، لوضع ضوابط تحكم سوق الانتقالات وتحد من التضخم والمزايدات المفرطة. ليس من باب تقييد حرية الأندية، ولكن لحماية المنظومة ككل وضمان استدامة المشروع الرياضي الوطني.
لا أحد ينكر أهمية الصفقات الكبيرة في رفع قيمة الدوري السعودي فنيًا وتسويقيًا، ولكن نجاح المشروع لا يكون فقط من خلال أندية القمة، بل في قدرة كل نادٍ، صغيرًا كان أو كبيرًا، على النمو والتطور. لذلك، لا بد من إعادة التفكير في آليات السوق، وضبط إيقاع «المزايدات» حتى لا يتحول الحلم الكبير إلى عبء ثقيل على أغلب أندية الوطن.