صانع الضحك
رحم الله أخي خالد، كان صانعًا للضحك في أقسى الظروف، كانت صفة أصيلة فيه، ولم يتصنعها لأنها موجودة دائمًا. هذه الصفة حببت الناس فيه، وصنعت لهم معه ذكريات لا تنسى، كان عمري 16 أو 17 عامًا، وكنت أُسمع أبي بعض ما أكتبه من كلمات غنائية، كنت أهوى كتابتها في ذلك الوقت، وصادف أن خالد كان حاضرًا في أكثر من مرة. و لم يكن يستهويه هذا الفن، هذا ما أعتقده، وفي المرة الأخيرة شعر بالملل من قصائدي الضعيفة التي أقرأها على والدي، فقال ساخرًا وبما معناه: هذا شعر الورق أغلى منه! ضحك الجميع.. عدى أبي.. حتى أنا ضحكت، ثم وجه أبي سؤاله إلى خالد: الآن هو يكتب الشعر.. سواء كان جيدًا أو لم يعجبك.. ما علاقتك أنت.. هو يلقي شعره لي؟ فأجابه خالد: أنا ناقد! فضحك الحاضرون وضحك أبي. في يوم من أيام ديوانية والدي، سرح خالد في خياله، كان غارقًا في أحلامه، ناداه أحد الحاضرين فلم يجبه، ثم ناداه بصوت أعلى فانتبه خالد للنداء، لكنه وجه لومه للمنادي: يا أخي حرام عليك توني شاري طياره! على سرير المرض كان الطبيب قد أصر عليه أن يتناول قدر ما يستطيع من الطعام، وكان ذلك صعبًا على خالد، كانت معدته تلفظ أنفاسها الأخيرة، بل قد لفظت أنفاسها، كان تناوله للطعام سيقويه، أراد الطبيب تأهيله لأخذ الجرعات الكيماوية، وهذا ما علّق الجميع آماله عليه، لأنه سيطيل في عمره عامًا أو عامين حسب كلام الطبيب. هنا بدأ الجميع بتحضير الطعام له، كل يحضر نوعًا علّه يروق لمعدة خالد فيسهل عليه تناوله. أحضرت له شوربة بالدجاج فتناول شيئًا منها، سألته: ماذا أحضر لك في الغد، هل تشتهي طعامًا معينًا؟ أجاب: سندويشة تونا. في اليوم التالي أحضرت السندويشة وقد قسمتها إلى 3 قطع، قلت في نفسي إذا تناول قطعة، وبعد ساعتين أو ثلاث تناول الثانية فسيكون ذلك تقدمًا واضحًا. قلت له: أحضرت لك 3 قطع تونا صغيرة، ثم قطع قلت ممازحًا: سأعطيك 100 دولار مقابل كل قطعة، فالتفت نحوي وقال: خلهم بالباوند بليز! ضحكت، وضحك أحد الزائرين بشدة، وابتسم هو. عندما توفي حاولت أن أكون قويًا، كنت أعلم بأن ورائي أيامًا صعبة، أولها مواجهة حقيقة رحيله، والسفر مع الجثمان، وأيام العزاء. كل هذه الأيام عدت، لكن ما لم أحسب حسابه، هو أن أشد الحزن سيبدأ بعد تلك الأيام التي كنت فيها قويًا، أو بدوت فيها قويًا!
فريدريك نيتشه: الحياة الحقيقية هي الحياة التي يحياها الإنسان المبدع الجريء، لا الإنسان الذي يظل مقيدًا بقيود الآخرين.