2025-07-22 | 23:51 مقالات

«ما خذت من التجارب ولا شيء»

مشاركة الخبر      

كنت وما زلت أتساءل عن الكم الذي يجب تعلمه لنيل الحكمة، أو لنيل شيء يجنبني القرارات التي تنتهي بالأسف، واللوم من نفسي على نفسي. الغريب أني وقبل «اتخاذ القرارات»، ينتابني شعور بالنشاط الممزوج بما أعتقد أنه الحكمة، وهو في حقيقته، لا يقرب من الحكمة في شيء، أكتشف لاحقًا ومتأخرًا أنه جهل مركب من السذاجة، وفقر الرأي، والتسرع، وتخلٍ سريع عن كل ما اعتقدت أنه حصيلة تجارب سابقة. كنت في كل تجربة فاشلة أيًا كانت أردد: محد يتعلم ببلاش! ظنًا أني تعلمت! ما زلت إلى اليوم أصدّق الدموع، وهذه سذاجة أسطورية لاحقتني من الطفولة إلى أن أصبح نسيًا منسيًا، وأقصد أني لا أستطيع التفريق بين أنواع الدموع، الصادق منها والكاذب، المظلومة والظالمة، الحقيقية والتمثيلية. ما زلت إلى اليوم أعيد التواصل مع أشخاص تضررت منهم، بمجرد أن تخطر لي فكرة أن الدنيا «ما تسوى» ولا أنتبه لسوء قراري إلا بتلقي الضربة الجديدة، حينها أقرر أني لن أكرر ذلك مها كان، اكتشفت أن ظاهر قراري هو هروب من عملية جلد الذات لأني فعلًا تعبت منها. ما زلت وقد تجاوز عمري أعمار ثلثي البشر أفكر ببساطة تجاه الأشخاص، وفي كل مرة أنسى أن هناك من يتكلم ويتصرف حسب خطة رسمها لغاية في ذاته. كنت اجتماعيًا جدًا، ثم أصبحت اجتماعيًا، ثم صرت أنتقي من ألتقي، ثم أصبحوا فردين، وفي أحيان أفضل البقاء وحيدًا، وقد قبضت على نفسي مرات عديدة، وأنا أشير بيدي أثناء حديث خيالي صنعه لي عقلي كي لا أبقى وحيدًا. أنا لست شخصية طيبة، ولا كريمة، ولا شجاعة، ولا عفوية، ولا أي شيء يستحق المديح، أنا لا أكتب هنا لأقول كما يقول الفنانون عندما يسألونهم في اللقاءات الصحفية: ما هي أبرز عيوبك؟ وتكون الإجابة التي حفظها كل سكان الأرض من إنس وجن: أبرز عيوبي طيبة قلبي. لا.. أنا أكتب لأعترف بأني فشلت في الإحاطة بسلوك البشر، وفشلت في التعلم من أخطائي، للدرجة التي لم أعد أفهم فيها حتى نفسي. لا أعرف متى سأحصل على شيء من الحكمة، ومتى أتخلص من ذلك الشعور المغرور الواهم بالفهم والوعي قبل اتخاذ القرارات، ومتى أتخلص من الأوقات التي أعتقد فيها بأني ختمت المنهج. للشاعر الكبير عبد الله الرويلي بيت شعر رائع، لم أقرأ مثل سلاسته وبلاغته منذ مدة طويلة، أعتقد أنه بيت من قصيدة:
«ما خذت من التجارب ولا شيء
كل يوم تظهر لي بلاوي جديدة».