2025-07-28 | 00:50 مقالات

تحول

مشاركة الخبر      

في لحظة تاريخية طال انتظارها، أعلنت وزارة الرياضة السعودية، بالتعاون مع المركز الوطني للتخصيص، عن تخصيص أول ثلاثة أندية رياضية في المملكة: الأنصار، الخلود، والزلفي. هذه الخطوة لم تأتِ من فراغ، بل جاءت نتيجة عمل مؤسسي متواصل استمر لسنوات، بإشراف مباشر من عرّاب التحول الوطني وملهم الرؤية، سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله -، الذي جعل من الرياضة ركيزة أساسية في رؤية السعودية 2030، وأداة فعّالة لتنويع الاقتصاد ورفع جودة الحياة.

لطالما كان القطاع الرياضي في المملكة يعتمد على الدعم الحكومي المباشر، مما شكّل عبئًا ماليًا كبيرًا واستنزافًا طويل الأمد دون تحقيق عوائد مستدامة. أما اليوم، فإن التخصيص يُمثّل تحولًا جذريًا في مسار الأندية، حيث تُنقل من نموذج الرعاية إلى نموذج الاستدامة، ومن الاعتماد إلى التمكين، لتصبح مؤسسات تُدار بعقلية السوق، وتخضع لمعايير الحوكمة، وتستهدف تحقيق العوائد لا فقط النتائج الرياضية.

ما يجري ليس مجرد نقل ملكية، بل هو تمكين للقطاع الخاص من قيادة المرحلة المقبلة، وفتح الأبواب أمام المستثمرين لإعادة تعريف هوية الأندية، وتحويلها إلى مشروعات رياضية وتجارية مبتكرة قابلة للقياس والمحاسبة ويُعزز من الشفافية، ويرفع الكفاءة الإدارية، ويحد من الهدر، ويضع معايير جديدة للمنافسة تتجاوز حدود الملعب، لتشمل الأداء المالي، والتوسع الجماهيري، وابتكار المنتجات، وتحقيق النمو المستدام.

التحول نحو التخصيص لن ينعكس على الأندية فقط، بل سيمتد أثره إلى المجتمع والاقتصاد كخلق آلاف الوظائف المباشرة وغير المباشرة في مجالات الرياضة، التسويق، التقنية، الإعلام، والخدمات وتحفيز النمو في المدن الصغيرة والمتوسطة وجذب رؤوس الأموال المحلية والخارجية، وخلق بيئة تنافسية جاذبة للاستثمار الرياضي.

إن التخصيص يُمثل بداية حقيقية لبناء صناعة رياضية سعودية، قائمة على أسس اقتصادية واضحة، لا على العواطف فقط. فالمستقبل الرياضي لن يكون محصورًا في تحقيق البطولات، بل في بناء أندية تملك علامات تجارية قوية، وحقوق بث مدرة، ومنشآت مكتفية ذاتيًا، وجماهير تتحول من مجرد مشجعين إلى مستهلكين ومستثمرين.

ما يُحسب لهذه الخطوة أنها لم تُنفذ كقرار فوقي مفاجئ، بل جاءت بعد إعداد متكامل، ودراسة واقع الأندية، وتقييم جاهزيتها، وتهيئة البيئة النظامية والقانونية والرقابية. بهذا الشكل، تبني المملكة نموذجًا فريدًا للتخصيص، يتلاءم مع خصوصيتها الثقافية والرياضية، ويستفيد من التجارب الدولية دون أن ينسخها

لقد وضع سمو سيدي ولي العهد الرياضة في صلب التحول الوطني، وهذه الخطوة هي ترجمة عملية لهذا التوجه. نحن أمام مرحلة جديدة، لا تصنع فقط ناديًا أكثر استقرارًا، بل وطنًا أكثر ازدهارًا.