العرضة السعودية.. سيوف الملوك وحكاية وطن
ترتبط العرضة السعودية بتاريخ الوطن وهويته، بوصفها إرثًا أصيلًا ورمزًا للوحدة والولاء، تناقلها السعوديون جيلًا بعد جيل في مناسبات الفرح والانتصار، وهي رقصة جماعية يؤديها الرجال مُصطفّين في صفوف متراصّة، مرددين في ثناياها الأبيات الوطنية على إيقاع قرع الطبول والتلويح بالسيوف.
وبالعودة إلى تاريخ الدولة السعودية، ففي فبراير 1932، طلب الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، رحمه الله، من أبنائه وجنده أن يبتهجوا بقدوم العيد، بلعب العرضة أمام قصره في المعابدة بمكة المكرمة، بمشاركة الأهالي، فارتفعت أصوات الطبول والبنادق.
وفي مارس 1931، وعقب استعراض الجيش السعودي، الذي حضره الملك عبد العزيز، تقدَّم الأمراء والأعيان بالسيوف والبنادق مُردّدين القصائد الحماسية على إيقاع الطبول أمام قصره بمكة المكرمة، في مشهد يجمع بين الفرح بالعيد، والتعبير عن الولاء والانتماء.
وحافظ ملوك السعودية على إرث العرضة السعودية، وأدّوا هذا الفن في مناسبات مختلفة بصفته رمزًا للهوية الوطنية، وامتدادًا لتاريخ عريق، وقد ارتبطت العرضة في الذاكرة الشعبية بالشجاعة والولاء، فكانت تعبيرًا صادقًا عن وحدة الصف، وقوة العزيمة، التي تُعبّر عن الولاء والشجاعة، وتستنهض الهمم وتوحد الصفوف، ومن نافلة القول: إن العرضة لم تعد مجرّد فن أدائي، بل رمز للقوة والوحدة والهوية الوطنية، وصلة وصلٍ بين الماضي والحاضر، يبعث في الأجيال روح الاعتزاز والفخر بالوطن وتاريخه.
ورافقت العرضة مراحل تأسيس السعودية وتوحيدها في عهد الملك عبد العزيز آل سعود، حين كانت رقصة حربية، وأحد الأهازيج، التي تؤدى في وقت الحروب، كان يؤديها أهل نجد بعد الانتصار في المعركة قبل توحيد البلاد، لذا كانت تسمى «العرضة النجدية».
وتعد مظهرًا من مظاهر الحماس الحربي، وشحذًا لعزائم المحاربين، وتعبيرًا عن القوة المعنوية في أوقات السلم، ومناسبات الفرحة، وهي ذات مدلولين، حربي متوثب، وسلمي ترفيهي مبطن بروح الحماس، والقوة المعنوية، وهي رقصة حماسية تعبر عن روح البطولة، والحماسة، والرجولة، وكانت أول نذر الحرب والتجمع له، حيث كانت تؤدى قبل الحرب، لتهيئة المقاتلين لجو المعركة، لذا فهي تذكر بأيام الحرب.
في الاجتماع العاشر للجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي، الذي عُقد في ناميبيا في ديسمبر 2015، أدرجت العرضة السعودية في القائمة التمثيلية الخاصة بالتراث الثقافي غير المادي لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو» تحت عنوان «العرضة النجدية ـ رقص شعبي ودق على الطبول وأهازيج شعرية من السعودية»، وبذلك تدخل السعودية للمرة الأولى لائحة التراث العالمي غير المادي «الشفوي».
وتتكون العرضة من ملقن وعارضي السيوف، وحامل البيرق، وقارعي الطبول الكبيرة والصغيرة.