|


قصة مبابي.. كل ما هو نادر فهو ذو قيمة

الفرنسي كيليان مبابي يتوسط والديه وفلورنتينو بيريز رئيس النادي وزين الدين زيدان أسطورة الريال خلال حفل تقديم اللاعب على ملعب سانتياجو بيرنابيو الثلاثاء (الأوروبية)
مدريد ـ ذا أتلتيك 2024.07.16 | 08:35 pm

«لقد وُلدت في كرة القدم»، هكذا تقول نسخة كرتونية من كيليان مبابي في الكتاب الهزلي «Je M'appelle Kylian» الصادر عام 2020، الذي يبدأ بفقس اللاعب من بيضة على شكل كرة قدم.
بحسب شبكة The Athletic، تم نشر الكتاب الكوميدي من قبل فريق مبابي ومنذ البداية، تم صياغة قصته وتنظيمها بعناية فائقة. حتى قبل أن يغادر مبابي ضاحية بوندي الباريسية، حيث نشأ، للانضمام إلى موناكو في سن الـ 14، كان العمل قد بدأ. وقد استمر هذا العمل مع فوزه بكأس العالم مع فرنسا، وأصبح الهدّاف التاريخي لباريس سان جيرمان، والآن انتقل أخيرًا إلى ريال مدريد الذي طال انتظاره. اليوم يتم تقديمه لاعبًا للريال في برنابيو الذي يمتلئ عن آخره.
على طول الطريق، كان مبابي والمقربون منه على دراية تامة بقيمته. هناك الكثير من التناقضات، طفل من «بانليو» «حي» فقير يقابل الرؤساء، وسفير للعلامات التجارية العالمية الفاخرة يقول إن طعامه المفضل هو خبز الباغيت باللحم، ولكن هناك أيضًا خيط أساسي.
يقول جان بابتيست جيجان، المؤلف المشارك مع كليمنت بيرنيا للسيرة الذاتية التي نُشرت أخيرًا: «لقد أدرك كيليان مبابي أنه لا يكفي النجاح على أرض الملعب. بدأت قصته قبل الملعب. إنها تبدأ بإتقانه لقنواته ووسائطه الخاصة، من خلال الشركاء والرعاة الذين اختارهم، والتي تتوافق مع قيمه وتستند إلى فكرة أن كل ما هو نادر فهو ذو قيمة».
معظم النجوم الصاعدة اليوم سرعان ما يتعاقدون مع وكيل أعمال كبير لإدارة شؤونهم، لكن مسيرة مبابي المهنية كانت تدار دائمًا من قبل عائلته. فقد كان والده ويلفريد، وهو لاعب هاوٍ سابق، يشرف على الجانب الكروي. أما والدته، فايزة لعماري، التي لعبت كرة اليد على مستوى عالٍ في فرنسا، فقد اعتنت بصورته وأنشطته التجارية.
وقد استفاد كلاهما من الخبرة التي اكتسباها في توجيه شقيق مبابي بالتبني، جيريس كيمبو إيكوكو، الذي يكبره بعشرة أعوام، حيث تطور من معجزة صغيرة موهوبة إلى محترف مع نادي رين في الدوري الفرنسي الدرجة الأولى لكرة القدم.
في عام 2017، عندما كان مبابي في سن المراهقة في موناكو، تم تأسيس شركة تدعى KEWJF، وهي اختصار لكيليان وإيثنز شقيق مبابي الأصغر، وويلفريد وجيريس وفايزة، وكانت والدته رئيسة الشركة وكيليان مساهمًا فيها بنسبة 100 بالمئة.
كان هذا لتولي جميع الترتيبات التجارية والتسويقية، وإحكام السيطرة على الصورة التي يتم عرضها. كان المستشار المهني الخارجي الوحيد للعائلة هو دلفين فيرهايدن، وهو محامٍ رياضي كبير مقيم في باريس.
يقول جيجان: «مشروع مبابي هو أولاً وقبل كل شيء مشروع عائلي بقيادة والدته ووالده. خلال موسم مبابي الاحترافي الأول، تم تنظيم فريق مبابي وإضفاء الطابع الاحترافي عليه تدريجيًا. لقد أصبح مشروعًا عائليًا صغيرًا ويقظًا وخيرًا ومهتمًا بعالم كرة القدم ونواقصه».
لطالما كان التواصل مهمًا جدًا بالنسبة للفريق مبابي. عندما كان صبياً، درس مقابلات النجوم الذين كان يخطط للاقتداء بهم، بما في ذلك كريستيانو رونالدو وتيري هنري. ومن أشهر الأمثلة على نباهته الإعلامية عندما كان عمره 14 عامًا. طُلب من المتدربين في موناكو أن يصمموا غلافًا لمجلة يظهرون فيها أنفسهم. كانت نسخة مبابي من مجلة «التايم» تبشر بأنه «أفضل لاعب شاب في العالم».
لعب مبابي أول مباراة له في الدوري الفرنسي مع موناكو في ديسمبر 2015، وكان عمره 16 عامًا و11 شهرًا و12 يومًا. في موسمه الأول الكامل، 2016ـ2017، سجل 26 هدفًا وصنع 14 هدفًا في 44 مباراة في جميع المسابقات، بما في ذلك عروضه المثيرة في طريقه إلى لقب الدوري الفرنسي والدور نصف النهائي لدوري أبطال أوروبا.
كان الصحافيون متحمسين لسماع أخباره، وكان هو أيضًا متحمسًا لسرد قصته. بعد أن سرّع فوزه مع فرنسا في نهائي كأس العالم 2018 من صعوده إلى النجومية الكاملة، ظهر مبابي على الغلاف الحقيقي لمجلة «التايم»، وهذا يأتي بعد أربعة أعوام فقط من ذلك التمرين المدرسي.
يقول جيجان: «حتى في مقابلته الأولى، كان مرتاحًا وحازمًا ومستعدًا ومتأهبًا ويتحدث بالفعل تقريبًا عما يدور في ذهنه. لذا، لا، لم يقم فريقه بإعداده، بل شجعوه، وقاموا بحمايته. إنه يعرف ما يتحدث عنه، ويعرف ما يجب أن يقوله، ولا يتردد في أن يكون صريحًا، في حين أن تواصل الآخرين يكون سلسًا أو حتى غير متكلف. لهذا السبب تحبه وسائل الإعلام الفرنسية، كما أن وسائل الإعلام الأجنبية تتهافت عليه».
أصبحت شركة «نايكي» أول شريك تجاري لفريق مبابي، حيث قدمت له حذاءً مجانيًا منذ أن كان عمره 10 سنوات وأول عقد تجاري بعد عامين. ومع بزوغ نجمه، رفضت العائلة كثيرًا من الفرص التجارية، مفضلين العمل فقط مع العلامات التجارية النخبوية التي اعتبروها مناسبة له.
في فبراير 2020، بعد فترة وجيزة من بلوغه سن 21 عامًا، كتب مبابي مقالاً لصحيفة «منبر اللاعبين» وكان مليئًا بالدروس المستفادة من نشأته في بوندي، وهي جزء من منطقة سين سان دوني، وهي منطقة في باريس ذات معدل فقر مرتفع ويعيش فيها عدد كبير من المهاجرين.
وكتب يقول: «في بوندي، تتعلم قيمًا تتجاوز كرة القدم. ربما ليس هناك الكثير من المال. لكننا حالمون. ربما لأن الحلم مجاني».
عائلة مبابي في حيّهم أصيلة، حيث عملت والدته في مشاريع شبابية مع المجلس المحلي، وهي مقربة من رئيسة بلدية بوندي السابقة رئيسة البلدية السابقة سيلفين توماسين. كما عايشت العائلة بشكل مباشر الاضطرابات الاجتماعية التي شهدتها بوندي في عام 2005، والتي شملت احتجاجات في الشوارع.
لطالما كانت عائلة مبابي واضحة جدًا في رد الجميل حيث تم بعد الفوز بكأس العالم 2018، التبرع بمكافأة كيليان البالغة 350 ألف يورو إلى جمعية «بريميرز دي كوردي» «الأول في الصف»، وهي جمعية خيرية تساعد الأطفال المعاقين من خلال الرياضة.
في عام 2020، تم إنشاء مؤسسة Inspired By KM التي تحصل على 30 في المئة من أرباح مبابي، ومن خلال أنشطتها تلقى 49 ولدًا و49 فتاة تتراوح أعمارهم بين 13 و21 عامًا التعليم لإعدادهم لمهن مستقبلية.
لقد سعى مبابي إلى مزج هذا الضمير الاجتماعي مع شراكاته التجارية بطريقة تبدو جديدة للغاية، حيث أطلقت شركة «نايكي» في ديسمبر 2019، مجموعة ملابس تحمل العلامة التجارية «بوندي دريمز» التي تحمل الرقم 93، وهو الرقم الإداري لمنطقة سين سان دوني. وهي صفقة تتعلق بجمعية خيرية للأطفال الذين يعانون من ضعف البصر.
يقول جاريث بالش، الرئيس التنفيذي لشركة وكالة التسويق Two Circles: «مبابي يولّد قيمة للأشخاص الذين يعمل معهم من خلال تقديم شخصيته بطريقة أصيلة، حيث يدعم القضايا التي يؤمن بها. وهذا ما يجعل متابعيه متحمسين للغاية بكل ما يتحدث عنه».
على غرار كثير من اللاعبين الفرنسيين الآخرين من أصول مهاجرة، لم يشعر مبابي دائمًا بالقبول التام من الجميع في فرنسا. بعد إضاعته لركلة جزاء في ركلات الترجيح عندما خرجت فرنسا من «يورو 2020» على يد سويسرا في دور الـ 16، تلقى إساءات عنصرية على وسائل التواصل الاجتماعي. كان مستاءً للغاية من عدم تلقيه المزيد من الدعم الرسمي، حتى إنه فكر علنًا في الاعتزال الدولي في عمر 22 عامًا.
ومع ذلك، بدا مبابي أيضًا مرتاحًا للاختلاط مع الأقوياء. كونه لاعبًا لباريس سان جيرمان يعني الحصول على أموال من النادي. كما أنه أصبح ودودًا علنًا مع الرئيس الفرنسي الوسطي إيمانويل ماكرون، إلى حد أنه سار على السجادة الحمراء في مهرجان كان السينمائي.
كيليان مبابي رجل ذكي يدرك أنه في يومنا هذا لا يمكنك أن تكون رياضيًا رفيع المستوى يتمتع بنفوذ عالمي دون اتخاذ موقف.
في مارس 2022، قاد مبابي مقاطعة بعض الأنشطة التجارية للمنتخب الفرنسي، لعدم رغبته في الارتباط بمنتجات مثل سلاسل الوجبات السريعة وشركات المراهنات. وقد كان سفيرًا لعلامة تجارية لأغذية الأطفال الأكثر صحية تسمى «جود جوت».
كما اتخذ مبابي - وهو الآن قائد منتخب فرنسا - موقفًا من الانتخابات البرلمانية الفرنسية خلال «يورو 2024»، بعد فوز حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف «التجمع الوطني» بمعظم الأصوات في الجولة الأولى، ووصف النتائج بـ«الكارثية» وقال: «نأمل أن يتجند الجميع ويصوتوا للجانب الصحيح» في الجولة الثانية.
يقول جيجان: «إنه قادر على اتخاذ موقف ضد عنف الشرطة، وهو قادر على متابعة حركة حياة السود مهمة، لكننا لم نسمع منه الكثير بعد اندلاع أعمال الشغب في المدن في فرنسا في يوليو 2023. في الانتخابات التشريعية الأخيرة، اتخذ موقفًا ضد النقيضين، في حين دعا زميلاه في الفريق ماركوس تورام وجول كوندي إلى التصويت ضد التجمع الوطني».
تتضمن قصة «Je m'Appelle Kylian» الهزلية مشاهد لمبابي الصغير وهو يتلقى قميص ريال مدريد في عيد الميلاد بسعادة غامرة، بينما انتشرت صورة لغرفة نومه في سن المراهقة مزينة بملصقات لكريستيانو رونالدو وهو يلعب للنادي الإسباني قبل أعوام.
من المعروف أيضًا أن مبابي البالغ من العمر 14 عامًا، آنذاك، كان برفقة مواطنه ولاعب ريال مدريد السابق ولاحقًا مدربه الفائز بدوري أبطال أوروبا ثلاث مرات زين الدين زيدان في جولة في ملعب تدريب ريال مدريد، على الرغم من أن هذا التعلق لم يمنعه من رفضه مرتين على الأقل، للبقاء في باريس سان جيرمان في عام 2022، ما أزعج رئيس النادي فلورنتينو بيريز بشدة.
يقول مارتن: «الانتقال إلى مدريد يمكن أن يرفع من شأنه مرة أخرى. إنه نجم كبير بالفعل، لكن اللعب في الدوري الفرنسي حد من انتشاره. مدريد على مستوى عالمي مختلف من الناحية التجارية. مثلما حدث مع جود بيلينجهام».
من بين الأسباب التي أدت إلى بقاء مبابي في باريس سان جيرمان لفترة طويلة الراتب الفلكي الذي لا يمكن حتى لمدريد أن يضاهيه. ومن الأمور ذات الصلة هو إصرار بيريز على أن يتقاسم اللاعبون، حتى أكبر نجوم المجرة السابقين مثل ديفيد بيكام وكريستيانو رونالدو، دخل حقوق صورهم مناصفة مع النادي.
لقد كان مبابي وفريقه حساسين للغاية بشأن حماية حقوق صورته، ما تسبب في توتر مع باريس سان جيرمان والاتحاد الفرنسي لكرة القدم.
كانت المفاوضات مع ريال مدريد حول حقوق الصورة معقدة، لكن يقال إن لاماري وفيراهيدن استخدما قوتيهما التفاوضية للحصول على ما يصل إلى 80 بالمئة من تلك الأموال للاعب. وفي المقابل، وافق مبابي على الحصول على أجر أساسي لا يفوق كثيرًا أجر زميليه في فريقه الجديد فينيسيوس جونيور وجود بيلينجهام. وتشير التقارير إلى أن اللاعب سيحصل على مكافأة توقيع بقيمة 150 مليون يورو، مع راتب سنوي قدره 15 مليون يورو.
يقول سيمون أوليفيرا، المدير الإداري لوكالة KIN Partners: «بعد أن عملت مع ريال مدريد ومع كيليان، فكلاهما يفكر بالطريقة نفسها في التعامل مع العلامات التجارية. وهذا يعني أن يكونا انتقائيين ويعملا بشكل أساسي مع العلامات التجارية المتميزة، لذلك أرى الكثير من التآزر بينهما. وحتى عندما كان بيكام هناك، فإن 95 بالمئة من الصفقات كانت تتمحور حول الفريق وليس حول الفرد».
في فبراير الماضي، ومع تأكد خروجه من باريس سان جيرمان بالفعل، تحرك فريق مبابي لحماية علامته التجارية من خلال تسجيل اسمه وشعار شركته ووضعية الاحتفال بالهدف وحتى مقولة «لو فوتبول تغيرت» كعلامات تجارية على المستوى الأوروبي.
كل ذلك يعني فصلاً جديدًا في هذه القصة المصممة بعناية. فمع وجود فريق كرة قدم جديد على أرض الملعب، وفريق معزز يدعم علامته التجارية، يمكن أن يصبح مبابي أحد أشهر الرياضيين في التاريخ وأكثرهم دخلاً.
يقول جيجان: «الأمر متروك له الآن ليؤكد ما إذا كان حقًا في فئة بيليه أو جوردان أو روجيه فيدرر أو تايجر وودز».
«هذه القصة تبدأ الآن».


قصة مبابي.. كل ما هو نادر فهو ذو قيمة

قصة مبابي.. كل ما هو نادر فهو ذو قيمة