دولة في رجل
( ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً) سورة الإنسان آية 8 و9، وهناك من قرأ هذه الآية وفهم معناها وتعمق في رسالتها وعمل في التوجيه الرباني.. ذلك هو المرحوم الأمير سلطان بن عبدالعزيز (رحمه الله) الذي جُبل على الخير والعطاء والكرم مع تعدد في المجالات الإنسانية الإسلامية التي حث عليها ديننا الحنيف، وعندما تفتح الأمير سلطان على الحياة كان ذلك في عصر استقرار دعائم الدولة وخضوع معظمها لملك المؤسس الأول الملك عبدالعزيز (طيب الله ثراه)، وبداية تكوين الجيش النظامي القوي مع ظهور مشروع توطين البدو وبناء الهجر، فكان نمو الأمير سلطان في بداية عصر الانتعاش الحضاري والاستقرار السياسي والانفتاح على تطور العالم الخارجي، وفي مدرسة والده تعلم التمسك بالإيمان العميق والتحلي بالتوحيد الخالص والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فدرس القرآن الكريم والعلوم الشرعية بالإضافة للعلوم العربية لغة وشعراً وفصاحة، كما عودهم على الاستيقاظ لصلاة الفجر والمحافظة على الصلاة وتعويدهم على غرس العقيدة الإسلامية وعلى السماحة وحب الناس والكرم والعدل والتسامح والجدية في العمل والتعلق بحب أعمال البر والخير... وقد صقلت شخصيته القيادية بتوليه مسؤولية الحرس الملكي وتنظيم شؤونه، ثم عدة وزارات.. إلى أن استقر به الأمر في وزارة الدفاع، فأسهم في تطويرها ونهضتها، وهو كذلك في مجلس الوزراء منذ أنشئ.. فأسهم في التنمية والتطوير والبعد الحضاري والإنساني للمملكة... وعند النظر إلى الجانب الشخصي والإنساني، فإن الأمير سلطان مرتبط وجدانياً بوالده وإخوانه وأسرته، وعطوف على من حوله وعلى المحتاجين، حيث يتفقد أحوال الناس ويشجعهم ويدعمهم والبشاشة والابتسامة لهم، ويتمثل فيه حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (من فرج عن مؤمن كربة في الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة)، ولم يقف هذا في حدود المواطنين بل شمل العديد من الجوانب الإنسانية، حيث رعاية المساجد والجاليات العربية والإسلامية، وتقديم العون للأقليات المسلمة، ولهذا فهو كما وصفه الأمير سلمان بأنه مؤسسة خيرية بحد ذاته... وهو داعم لجمعيات المعاقين والمراكز الخيرية والبحوث العلمية والتجارب الحديثة لتطوير أدوات المعاقين وسبل العناية بهم وعلاجهم، وكرمه كرم عفوي لاتكلف فيه سواء على ضيوفه أو على الفقراء والمعوزين داخل المملكة وخارجها، حيث أنفاقه إنفاق من لايخشى الفقر، لأنه يعلم برسوخ عقيدته أن هذا الإنفاق تجارة مربحة... فلا أحب إلى الله من أعمال الخير التي يتقرب بها العبد لربه سبحانه وتعالى (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء... الآية)، فكانت تجارة رابحة، وهو بإذن الله من الرابحين، حيث يعيش هموم الناس ويسلك الوسائل التي تقربه إليهم محاولاً إيصال الخير دائماً لهم من أعمال تنفعهم وتوجيهات صائبة تكون لهم معالم في الطريق السليم بإذن الله، لأن الأمير سلطان يعلم أن حب الناس من سنن المرسلين، ويعلم أن حب الناس في الله هو حب لخيرهم ولسعادتهم، هذه السعادة التي تكمن في التعاون بين أفراد الأمة الواحدة والمجتمع الواحد والأسرة الواحدة، لأنه يعلم أن الوطن أسرة كبيرة يجب أن يتحقق لها السعادة التي تكمن في التعاون بين أفرادها بين الحاكم والمحكوم، وبين الجار وجاره، وبين المسلم وأخيه المسلم، حيث قوله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى ).
رحم الله الأمير سلطان بن عبدالعزيز وأسكنه فسيح جناته.. (إنا لله وأنا إليه راجعون).