(شفنا الحياة برجعته كيف صارت)
في زمن القوة والحضارة العربية المستمدة من القيم الإسلامية كان أجدادنا العرب الأوائل يفرضون نظاما اجتماعيا صارما يصل في بعض مراحله إلى اعتبار ممارسة الأكل في الأسواق والطرقات من خوارم المروءة، وشيئا فشيئا بدأنا نفقد قيمنا الاجتماعية لدوافع مختلفة حتى وصل بنا الحال أن نفقدها من أجل " جلد منفوخ " تتقاذفه الأرجل ولكم في حال عودة فريق النصر للبطولات البرهان الذي لا يحتاج برهان مثله لدرجة أن شاعرا هائما وعاشقا لهذا الفريق الأصفر كتب عجزا من بيت يقول فيه " شفتوا الحياة برجعته كيف صارت " وكأني به يشير إلى الحال المزرية التي وصلنا إليها فقد رأينا بأعيننا وسمعنا بآذاننا وأدركنا بعقولنا كيف انتشرت مواقف وأفعال تتنافى تماما مع رجاحة العقل وهيبة الرجال والحكمة والمنطق.
ـ نعم لقد شفنا كيف الحياة برجعته كيف صارت عندما تخلى علماء دين أفاضل عن وقار العلم الشرعي الذي يحملونه في صدورهم وعن قواعد القدوة الحسنة لجميع أفراد المجتمع كبارا وصغار شيبا وشيبانا رجالا ونساء وانزلقوا في منزلق خطير أقل ما يوصف به بأنه من خوارم المروءة.
ـ نعم لقد شفنا الحياة برجعته كيف صارت عندما تهافت على الساحة الرياضية من كتّاب الرأي العام وانشغلوا عن أداء مهمتهم الأساسية في محاولة إصلاح الخلل الذي يعتري مجتمعنا من جميع جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية وباتوا يطرحون تعصباً مقيتاً يعطي دلالة أكيدة بأن الأكل في الطرقات أهون بكثير مما يمارسونه حاليا وأن قناعاتهم ومبادئهم التي سوقوها لنا خلال عقود مضت ماهي إلا كذبة كبيرة انكشفت بعودة فريق.
ـ نعم لقد شفنا الحياة برجعته كيف صارت عندما تصدّر منابر العلم والتعليم ممن يمارس البذاءة حتى أصبح محاضرا يستضاف في مدرسة يديرها من أبناء اللون الأصفر ليلقي على الطلاب بعض مما لديه من تعصب وتشكيك في الذمم ودخول في النوايا وآخرون يلقنون الطلاب في الطوابير الصباحية وربما داخل قاعات الدراسة عبارات وشعارات من نوعية " نصراوي لا تكلمني".
ـ نعم شاهدنا وشفنا الحياة برجعته كيف صارت عندما تخلى ممن أوكلت لهم المهام وسعى لالتقاط الصور التذكارية مع نجوم فريقه المفضل، وآخر ذهب للخياط ليفصل له ثوباً باللونين الأصفر والأزرق ليتصوّر به دون أن يراعوا وضعهم الاجتماعي والرسمي وآخرون تركوا المرضى يئنون من الألم وذهبوا للاحتفال في مستشفى حكومي دون استشعار لوظيفة الرحمة.
ـ نعم شفنا الحياة برجعته كيف صارت ونحن نشاهد المذيعين والمذيعات والمغنيين والمغنيات والممثلين والممثلات يتسابقون للظفر بشيء من كعكة الضوء ليقينهم بأن ما سيفعلونه مرحب به وأنهم سيجدون كل دعم ومساندة من الإعلام الرسمي أو التجاري ومن غير الإعلام.
ـ نعم شفنا الحياة برجعته كيف صارت ونحن نشاهد إعلاميين رياضيين كنا نعدهم من الأخيار يتخلون عن أبسط قواعد المهنية والحياد ويتجردون حتى من قيم كانوا يسوقونها إلينا كل هذا من أجل الأصفر البراق وكأنه حقق معجزة كونية لم يستطع أحد قبله الوصول لشيء من هذا الإعجاز.
ـ نعم شفنا الحياة برجعته كيف صارت وهذا غيض من فيض ولربما ما خفي كان أعظم.
الهاء الرابعة
وَدِدْتُ على طيبِ الحياةِ لو انّهُ
يُزادُ لليلى عُمْرُها مِن حَياتِيا
ألا يا حَماماتِ العِراقِ أَعِنَّني
على شَجَني، وابْكِينَ مِثْلَ بُكائِيا