“الله يالدنيا”
هو قريب لي تربطني به علاقة دم ونسب، رجل بدأ الشيب يبرز في مفرق رأسه توطدت علاقتنا منذ عقد ونيّف من السنين كان فيها الرجل الرزين الهادئ الموجه والحكيم في آرائه يتميز بقدرة هائلة على ضبط النفس وطرح الأفكار النيّرة والهادفة وكنت أجد في الجلوس معه والاستماع لحديثه متعة كبيرة فقد كان في نظري "حامل مسك " ورغم أنه كان يلومني كثيرا في انخراطي في الساحة الرياضية والكتابة عنها باعتباره وقد كان يقول لي بالنص " يا أخي فكرك أعلى من الكورة ومشاكلها " وحين يسهب في هذا الجانب ويعدد مزاياي وصفاتي وقدراتي كنت أشعر بغرور كبير وأتمنى أنه لا يسكت لكنه يعود لإزعاجي في آخر المطاف حين يقترح علي الخروج من الساحة الرياضية وتسخير قلمي لأمور أهم، فهو يرى أن الكرة مضيعة للوقت وأنها اخترعت لتلهية الناس عن متطلبات حياتهم الضرورية، ثم يعرج بالحديث على الكرة العالمية وبالذات الدوري الإنجليزي وأن المتعة والفائدة هناك فإن كنت مصراً على متابعة الرياضة فعلي متابعة الدوريات العالمية الكبرى علما بأنه ومن خلال ما ظهر لي خلال هذه السنوات لم يكن يفهم في الكرة إلا اللمم والنزر اليسير، وأذكر في يوم من الأيام أنني قلت " فلان لاعب قشاش " تعريفا لشخص كان يحادثني بالهاتف وحين انتهيت من المكالمة تفاجأت به يسألني "يعني إيه لاعب قشاش"؟
في كثير من أوقات الضعف كنت أفكر جيدا في كلامه خصوصا عندما تخرج الأمور عن النص في الساحة الرياضية وكان هو بدوره يمارس علي ضغطاً هائلا ويرفعني لمكان عال أشعر معه أحيانا بأنني " جيفارا " ولا ينقصني سوى أن أستل سيفي من غمده وأقفز فوق ظهر " المشهر " وأنطلق نحو فضاء الحرية الحمراء ومن أجل هذه الصورة الزاهية كنت لا أتحدث عن كرة القدم معه إطلاقا حتى لا يخدش جمال منظر الفارس المغوار ولكن قبل شهر ونيّف حدثت " كارثة " لا لا بل " ظاهرة كونية " لقد تحوّل ذلك الرجل المهيب والناصح الأمين والعاقل الرزين إلى مشجع بسيط معه شال وطبلة بعد أن رمى الشماغ والقلم والحكمة إلى دهاليز النسيان فمنذ أن بدأ النصر يحقق الانتصارات المتتالية والمستويات المبهرة وقريبي يمارس معي إرهاباً من نوع آخر لقد أصبحت الكرة هي كل شيء في حياته وأصبح يرسل لي المقاطع واللقطات والأحداث ويعلق عليها بخبرة فائقة لدرجة أنني ذهلت بأنه يعرف تشكيلة الهلال أمام ناجويا الياباني قبل أكثر من عشر سنوات لقد تحوّلت الكرة من أنها أداة لهو إلى " عصب الحياة " وبات يتواصل معي بطرق شتى حتى أنه يراسلني في المجلس والساعة تشير إلى الثالثة فجرا وهو الذي كان ينام عند الحادية عشرة ولا يتجاوزها بل ويؤكد أن كرتنا منحرفة لأنها تتأخر وقتاً وهذا مخالف للاحتراف، فالمباريات صيفاً تنتهي بعد الحادية عشرة أو قبلها بقليل وبعد أن كان يضع تعريفاً له في " الواتساب " حكمة راقية أصبح يضع شعار النصر بل وبدل شعار قروب يجمعنا ببعض الأصدقاء إلى " أحبك يا نصر " وهو الذي كان ينتقد الشعر الشعبي أصبح يردد بيتين من الشعر حتى حفظتهما منه سأضعها لكم في الهاء الرابعة وللمعلومة الأخيرة دهشتي من انقلاب حاله يقابلها ترقب كبير لو أن النصر لم يحقق بطولة، فكيف يستطيع أن يقنعني بأفكاره السابقة ويعود لسابق عهده خصوصاً وأنني صدقت أنني " جيفارا ".
الهاء الرابعة
شفتوا النصر وشلون يسعد ملايين
شفتوا الحياة برجعته كيف صارت
الله يعين اللي يضد البراكين
بالذات لا من البراكين ثارت