2013-09-15 | 19:06 مقالات

« البؤساء «

مشاركة الخبر      

لا أعرف كثيرا من طقوس الكتاب عند الكتابة ولا أمتلك شيئا منها أرى فيه جنوحا عن الواقع فما هي إلا فكرة قد تتزاحم هي وأخواتها يوما في رأسي وقد تغيب فيصبح الخيال مجدبا ينتظر هطول المطر ويعاني من الجدب والجفاف وإن وجدت ينطلق المداد حتى تنتهي مع مراعاة أن يكون خط النهاية متطابقا مع قواعد الصحيفة من حيث مساحة الزاوية وعدد كلماتها وقد تبقى في الذهن حينا حتى تختمر وتصبح ناضجة وقد تحكمك الظروف فتأتي عجلة وجلة لكنني احتار في أمر أقوم به وأسجن أفكاري خلف قضبانه وهو أنني عندما أشرع في كتابة الهاءات ابدأ بعد ذكر الله في كتابة العنوان قبل أي شيء ولا أعلم حقيقة هل أمر إيجابي أو سلبي لكنني اكتبه هكذا دون مقدمات ولا أجد في نفسي ارتياحا لتغيير هذا النمط وعادة مايكون العنوان وليد بقاء الفكرة في الذهن لكن هذا اليوم اختلفت الأمور علي كليا فدون أن اشعر « وجدتني « هذه العبارة المدونة بين الأقواس كالهاءات حين تبقى خلف قضبان العنوان مقتبسة من القاعدة النحوية الهشة « أكلوني البراغيث « أقول هذه المرة كتبت العنوان دون أن أعرف لماذا كتبته ؟ كل ما اعرفه بعدها أنه اسم لرواية عالمية شهيرة للكاتب الفرنسي فيكتور هيجو وقد كتبت قبل أكثر من مئة وخمسين عاما ويستعرض فيها الكاتب حالة الظلم والفساد في تلك الحقبة الزمنية وما قبلها بأسلوب أدبي شيّق ورصين وحين ترجمت اختلف المترجمون للعربية في الاسم فهناك من كتبه « البؤساء « وهناك من جعله « البائسون « وقد اختلفت مع صديق من الساحل الشرقي ومازلت أحبه واختلف معه كثيرا فهو يرى أن العنوان الثاني أصح وأجمل على اعتبار أنه جاء على جمع المذكر السالم للمفرد « بائس « وصاحبكم يرى أن البؤساء جائز نحويا فهو جمع تكسير ثم أنه أجمل حين النطق وفي البلاغة فالبؤس « تكسير « لرغد الإنسان ولأحلامه وراحته وليس في الظلم ما هو « سالم « من الأذى لا الظالم ولا المظلوم لكنني اضطررت أن أفكر كيف أخرج من قضبانه كما يفكر السجين المظلوم بذلك ووصلت لحيلة منطقية فأوقع العنوان على واقعنا لكن أي واقع العام أم أجعله مختصرا ومقتصرا على الشأن الرياضي ولأن الزاوية تتحدث عن الرياضة قررت أن أسمي أهل الساحة الرياضية « البؤساء « ولأن البؤس مناف للسعادة ومنه مايقع بفعل أمور خارجة عن السيطرة ومقدر ممن بيده ملكوت كل شيء ومنه مايقع بفعل الإنسان نفسه دون أن يكون هناك ضغوط توجب وقوعه كما يفعل معظم سكان ساحتنا بدليل أن كرة القدم هي للترويح والتنفيس عن النفس وهي من اللهو المباح خصوصا لدى فئة المتابعين لكننا جعلناها مقدمة على غيرها من الروابط السامية التي تجمعنا فنحن وللأسف الشديد وضمير المتكلم يعني البعض وليس الكل نحب ونكره من أجلها بل نسعى لإلحاق الضرر بمن يخالفنا الميول ولا نراعي أصول المنافسة الشريفة فنتهم الناس في ذممها ونبحث عن عوراتها لنكشف سترها ثم في أضعف الأحوال نشتم ونلعن ونمارس من السلوكيات الخاطئة الفعلية والقولية ما يوردنا مهالك الردى وأحيانا لمجرد أن المخالف له رأي يستفز مشاعرنا المتوهجة والمصروفة في شأن يعد من هوامش الحياة وليس من أركانها ولا من ضرورياتها وبعد ذلك ألا نستحق أن نكون « البؤساء « فعلا فقد أوقعنا الظلم على أنفسنا بأنفسنا الهاء الرابعة كن بلسماً إن صار دهرك أرقما وحلاوة إن صار غيرك علقما أحسنْ وإن لم تجزَ حتى بالثنا أيَّ الجزاء الغيثُ يبغي إن همى ؟ مَنْ ذا يكافئُ زهرةً فواحةً ؟ أو من يثيبُ البلبل المترنما ؟