سمكة الزّينة الحزينة!
ـ حوض أسماك صغير، وأربع أسماك صغيرة ملوّنة، واحدة منها وهي الأكثر بريقًا أسميناها المجنونة!، فقد ظلّت نشيطة بشكل يثير الضحك، حتى أنها قفزت من الحوض مرّتين حين كنّا نضطر لفتح سقف الحوض لتغيير الماء أو لنثر حُبيبات الطعام!.
ـ كان لسمكتين لون أسود، وكانتا من فصيلة واحدة، إحداهما سوداء تمامًا، وعلى طرف أجنحة صاحبتها لون أبيض كأنه يؤطرها، لون أبيض لا يُرى كلّ مرّة، أو لا يُرى إلا بقليل من التدقيق.
ـ السمكة الصغيرة الرابعة كانت رماديّة، ومن نوع له طبيعة تبدو حزينة ومختلفة، كانت بالكاد تتحرك، وحتى لحظة نثر الطعام القليل، لا تُزاحم، تبقى ملتصقة بجدار الزجاج، معطيةً ظهرها لبقية الأسماك طول الوقت!.
ـ فيما عدا هذه السمكة الرابعة، كانت بقية الأسماك تلعب، تغايظ إحداها الأخرى، وأثناء وجبة الطعام تحدث شجارات خفيفة، السمكة الرابعة تظل ملتصقة بالجدار الزجاجي، ظهرها للبقية، أحيانًا تفتح فمها وتلتهم طعامًا لا يُرى، كأنها تأكل ماءً فحسب!.
ـ بعد أيام، ماتت واحدة من الأسماك الثلاث، أظنها السوداء تمامًا، وقبل أن نخرجها من الحوض، كان من الواضح أن حركة شبيهتها صارت مريضة بالحزن، لحظات وتبعتها إلى سكون أبدي!.
ـ أخرجناهما من الحوض. فلم تعد السمكة المجنونة مجنونة!. وأسوأ العقل ما ينتجه الأسى!. فقدت صاحبتيها، فلم تعد تقفز طيشًا على حُبَيْبات الطعام، وتباطأت حركتها، ثم سقطت مثل رمح صغير أصفر برّاق، قضت أيامها أُفُقيًّا، وماتت بشكل رأسي!. هدأ ماء الحوض تمامًا!.
ـ على حالها ظلّتْ السمكة الرابعة، الرمادية، التي كانت تبدو حزينة، ملتصقة بجدار الحوض الزجاجي الشفّاف، ظهرها لبقية ما لم يتبقّ من الأسماك!. هل كانت تحمي نفسها كل هذه الفترة من ثقل ذكريات صُحبة زائلة لا محالة؟!