حكمة من مباراة حواري!
ـ مضى على ذلك زمن. كنّا نلعب مباراة كرة قدم، الفريق الآخر الذي تحدّانا باستعلاء، كان أفضل منا بكثير، أمهر وأنشط، ومع ذلك فزنا، أتذكّر النتيجة، ثلاثة مقابل واحد!. وحتى لا نقلل من حسرتهم شيئًا، انتظرنا ذهابهم، لنُعلن بعدها فقط عن استغرابنا ودهشتنا ممّا حدث!.
ـ الاستعلاء قاتل، لكن هذا لم يكن كافيًا لتفسير الأمر. كانت الفروق بيننا وبينهم أوضح من الشمس!. أساسًا، لم تكن لنا سوى ثلاث هجمات تقريبًا، هي التي سجّلنا منها!. طوال الوقت كانت الكرة بحوزتهم، وما أضاعوه من أهداف محققة كان وسيظل لغزًا، بالرغم من تحليلي الذي لاقى استحسانًا حينها لثلاثة أسباب: القهوة التي أحضرها "عبيد" كانت طيّبة!. لم يكن لدى أحد منّا القدرة على إيجاد مَخرَج آخر!. السبب الثالث هو أنّ الآراء العجائبية تجد قبولًا في عجز البديهيات!.
ـ كان رأيي باختصار، أن السبب الأهم بعد التوفيق من الله سبحانه، هو أنهم كانوا يمتلكون من الخَيَارات أكثر مما يجب بكثير!. وفرة الخَيَارات أضاعتهم!. وفي كل مرّة كانت تُسهم بتشتيت تفكيرهم وتُبعثر جهودهم ومهاراتهم!.
ـ في كل هجمة لهم، وما أكثرها، كان هناك فائض مهول من الاحتمالات المتاحة والممكنة!. كان يمكن لمن في حوزته الكرة أن يسدد أو يتجاوز اللاعب وحتى الحارس أو يمرر لزميلين أو ثلاثة كل واحد منهم في مكان مناسب تمامًا!. كثرة الخَيَارات والاحتمالات هذه كانت تُعطِّل تفكير من في حوزته الكرة، وفي كل مرة كنّا نُمنح من الوقت ما يسمح بقطع الكرة أو تشتيتها، أو تركها للحظ الذي لا يمكن نسيان دوره!.
ـ كرة القدم تشبه الحياة، تكاد تكون قطعة مُصغّرة من الحياة والطبيعة!. وفي الحياة والطبيعة يمكن لنا بقليل من التّدبّر والتّذكّر، الإقرار بقدرة الخَيَارات المتعددة الزائدة على هدر فرص نجاح أي منها!. الظِّباء إن تكاثرت لا يدري "خراش" فعلًا ما يصيد!.
ـ يمكن للاحتمالات إن هي كَثُرَت وتساوت في القيمة والإمكانية أن تفعل ما هو أكثر سوءًا: أنْ تذبح حتى بهجة الحصول على ما نحصل عليه، والوصول إلى ما نصل إليه!.
ـ لو توفّرت لك كل خيارات الدنيا، بتساوي الاحتمالات والثمن، واخترت أمرًا أو شيئًا، ستظل في نفسك، مهما كان اختيارك جيدًا وناجحًا وممتعًا وموفّقًا، حسرة عدم تجريبك انتقاء أو اختيار عدد كبير ممّا كان متوفّرًا وتَرَكْتَ!.
ـ وأتذكّر، وبالرغم من أنني سجّلت هدفين في تلك المباراة، قول صديقي: ليتك كنت ماهرًا في الكرة مهارتك في الحديث عنها!. خرّب فرحتي!.