مسرى الغرانيق:
مدن العقيق!
ـ كل مدينةٍ تنصب شراكها!. والدنيا أمّ البراقع!. صُوَرٌ، وما إن تنجلي صورةٌ ويرسب كَدَرها، حتى تَغمض صورةٌ ويسقط صفوها!.
ـ اليمامة أحاديث سعف النخيل لنجوم أول العتمة!. جِنّيّاتها يتعشّقن كل تاركٍ لصلاة العشاء، يَطِرْن به على جذع نخلةٍ إلى عُمَان!. جِنّيّات الأندلس بحريّات ومثل بحرهنّ غدّارات!، تحسبهن غريقات وهُنّ المُغرِقات!.
ـ بغداد تتنازعها السيوف والألسن!. مليئة بشهوة التغلّب والبشر الخطّائين والشعراء الجياع!. خيولٌ مطهّمة وسروج، وقلوبٌ محطّمة وبروج!. توابيت وحوانيت!. رفوف ودفوف!. عمامة فوق رأس الشيخ ودُرّةٌ فوق سُرّة الراقصة!. بغداد سوق كبير، كل شيءَ فيه يُباع حتّى أحزان القِرْد!.
ـ دروب بغداد الأماميّة فقط هي المرصوفة المحفوفة، أمّا الدروب الخلفية فلم تطاولها إصلاحات عضد الدولة البويهي!، والزمن زمن الخليفة القادر، غير القادر على شيء!.
ـ والقدس خبز وبرتقال ووهم معجزات!، ولواعج مدينة يُختَصَم بين جدرانها منذ بدء الخليقة!. القدس حزن أزَليّ لوجهٍ تُقصقصه الأساطير!.
ـ ومصر الفاطميّة عسسٌ وعيون!. عسكر وأزهر!. والحاكم بأمر الله يكاد يحكم بكل شيءٍ إلا بأمر الله!. يُنازع بني العباس مُلكهم، فينقش اسمه على كل وجه درهم وعلى وجهه الآخر “عليٌّ وليّ الله”!.
ـ مصر حقيبة التاريخ، مجذوبة منهوبة، لولا حُسْن الفلّاحات يَحْمِلْنَ جرار الماء فوق رؤوسهنّ كحِلْيَةٍ تزيدهنّ مَلَاحَةً!.
ـ كل شيء في مصر كثير ومتدفّق ووافر!. والحب وصال وهجر، كل وصاله جميل، غير أن الهجر صعب، وأصعب ما في صعبه أنه يكشف كم هو مأزقك مع نفسك لا مع “كهرمانتك” يا سيدي، ولا مع “مزيدك” يا سيّدتي!.
ـ فورة الجسد وثورة العنب.. مصر!. والمصريّون أهل نُكتةٍ حتى في حنقهم: يُسَمّون بغالهم وحميرهم وكلابهم بأسماء حرس القاهرة وجند الحاكم!.
ـ مصر، يخاتلها سيّد الظل والضوء ابن الهيثم من ثُقبٍ في جدار سجن، فتحه الحرّاس بغرض التلصص عليه ومراقبة جنونه الذي ادّعاه، وكم ذا بمصر من المضحكات، حابسة أعظم عقول أهل العراق: ابن الهيثم اليوم، والمتنبّي قبل سنين مضت!. مَضَتْ وأبقت النُّكات!.
ـ وللحديث بقيّة!.