الكُتب
وجوه لا أغلفة!
الكتُب وجوه لا أغلفة، والوجوه أرواح في أجساد لا كلمات في أوراق. لم تكن علاقتي بالكتب على هذا النحو، لكنها مع الوقت صارت كذلك، ومع كل يوم جديد تتكثّف أكثر!.
ـ كتاب "الجمال الفنّي" لستولينتز، يذكّرني بالجلسة الوحيدة التي امتدّت لساعات مع فؤاد زكريّا، الفيلسوف العربي الكبير والذي قام بترجمة الكتاب ليصل إلى أمثالي.
ـ لكن الكتاب نفسه يذكّرني بالدكتور أحمد الرّبعي، بكل ما فيه من حيويّة ومرح وبساطة ومحبة وكذلك بالقدرة على دمج أكثر من خمسة آراء مختلفة ومتعارضة وتنسيقها في "بوكيه" ورد واحد أنيق، بعد سحب كل ما فيها وما بينها من نشاز أو تضادّ!. أظن أنّ الكتاب كان هديةً منه، أو على الأقل فإن قراءة الكتاب كانت بتوصية منه!.
ـ كل قصيدة لأمل دنقل، كل كتابة عن أمل دنقل، ترسم وجه سليمان الفليّح، كان يحبّه وكان سليمان الفليّح إن أحب أحدًا أجاد أمرين ببراعة وبالقدْر نفسه: تبجيله و"التريقة" عليه!.
ـ والذين كان يردّد، أستاذي والأب الروحي بالنسبة لي ولكثيرين غيري، أسماءهم أكثر من غيرها، لا تزال محفوظة في الذاكرة: دنقل، جان جينيه، أميل حبيبي، وصاحب الخبز الحافي محمد شكري، وبالطبع السليك بن السلكة والشنفرى وتأبّط شرًّا وبقيّة الصعاليك!.
ـ كان سليمان الفليّح تخصّص صعاليك!. يعرف كيف يلتقطهم أيًّا كانت لغتهم أو لهجتهم أو أوطانهم أو أزمنتهم!.
ـ وفي هذا لم يكن أطيب من حديثه حديث، ولا أخفّ ظلًا، يتحدث عنهم ومنهم بانتشاء وانتماء، وكان يجيد ترتيبهم وبعثرتهم واللعب معهم وفيهم ببراعة عالِم جليل وشغب طفل مهووس باللعب ويمتلك طاقة هائلة لا يدري ما يفعل ما بها!.
ـ كتب غادة السمّان تشكّل وجه وملامح مسفر الدوسري، وجهه وملامحه وأكثر: أناقته، وقدرته على التشذيب والتهذيب والترتيب!. شاهدت بيوت فخمة كثيرة، وإلى اليوم لم أجد أناقة فوّاحة بالشعر، مثلما وجدت ذلك في كل مسكن سكنه مسفر الدوسري!.
ـ ظلّ مسفر الدوسري يمتلك الموهبة الأجمل: قدرته على إضفاء الحيوية، والاستفادة من أبسط الأشياء، وأقل الموادّ تكلفةً، لتزيين مساكنه!. لا تقدر مساحة صغرت أو كبُرت، على منعه من تشكيل أماكن ساحرة وأخّاذة!.
ـ كل لوحة، وكل كتاب أو كتابة عن سلفادور دالي، هي بالنسبة لي كتابة وحديث عن نبيه البرجي!. يرتسم وجهه: "قَبَس" ويومَي إثنين وخميس!.
ـ كل لوحة، كل كتاب أو كتابة عن ماغريت، ترسم وجه البدر: بدر بن عبدالمحسن، أسكنني في بيته شهورًا، معززًا مكرّمًا، ولكنه ومن فرط محبّته لماغريت، تذكّر موضع الكتب، كان مسافرًا خارج المملكة، واتصل: ادخل المكتبة، الجدار الأيمن، الرفوف الوسطى، تجد كتابين فيهما رسومات ماغريت، تمعّن!.
ـ المكتبات الخاصة عمومًا تذكّرني بليلى أحمد، أطيب وأفضل وأروع رئيسة قسم عملت معها وتحت إشرافها، ليلى أحمد هذه التي بدت وتبدو لكثيرين: خشنة، سليطة اللسان، حادّة، هي واحدة من ألطف وأرق خلق الله وأكثرهم إنسانيّة ومحبّةً للضحك!.
ـ وأتذكّر، في يوم من الأيام، وكانت قد انتقلّت إلى سكن جديد، جاءت إلى الجريدة ووضعت على طاولتي ما أظنه يزيد عن المئتين كتاب، قائلةً: حظّك، الشقّة الجديدة لا تستوعب كل كتبي، واخترتك لأقاسمك!.
ـ وكانت هذه الكتب هي أساس ثاني مكتبة أقوم بعملها، بعد أن نُهِبت مكتبتي الأولى إثر الاحتلال الغاشم للكويت!.