2019-04-07 | 20:56 مقالات

بدر بن عبد المحسن: صائغ صُدَف!

مشاركة الخبر      

ـ شيء ما، ظلّ يغيظني دائمًا في وصفهم لبدر بن عبد المحسن بمهندس الكلمة!. أشعر دائمًا بوجود خطأ ما، هفوة ما، في الوصف، أشعر بوجود ما هو منحرف في اللقب!.
ـ اليوم وبمعونة من قراءات كثيرة، وتأمّل طويل، أقترب من فهم شعوري بالغيظ: الوصف يغيّب الصدفة، يمحو أثرها، يمارس عليها إقصاءً ظالمًا!.
ـ بذلك لا يرى من المشهد الفيّاض بعمقه الإبداعي غير سطحه!، وتحديدًا: سطحه القابل للجَرّ إلى مذبح الثرثرة الصحفيّة!.
ـ بالاقتراب من فهم أي شيء، نُكافئ بفهم جديد لنقيضه أيضًا!. وعلى قدْر الفهم يكون التسامح!. التسامح ظِلال الفهم!.
ـ لا أدري من أطلق على بدر بن عبد المحسن لقب "مهندس الكلمة" أوّل مرّة، هو بالتأكيد لم يقصد إلا تلويحًا بإعجاب وشهادة باستثنائية مُستحقّة لمبدع!.
ـ كان يمكن لهذا اللقب أن يكون خطوة مديح أولى، قابلة للعمل عليها، خطوة قاصرة منتظرة البلوغ!. مثلما كان يمكن لهذا اللقب أن يكون مكافأة مجد أخيرة، مكافأة تجيء في غير وقتها، وتحديدًا بعد فوات أوانها، ممّا لا يسمح لها بمحو مقولات وأوصاف سابقة كانت تبحث عن المعنى وتجهد للاستدلال عليه!.
ـ الخطأ أن لقب "مهندس الكلمة" جاء في المنتصف تقريبًا!. والخطيئة أنه تم الاكتفاء به إلى حدّ بعيد!.
ـ بدر بن عبد المحسن صائغ صُدَف من الدرجة الأولى. صائغ صُدَف عبقري!. وفي هذا ما يخلخل صفة المهندس، يهزّها ليثبت عدم أحقيتها بجذور صلبة، لكنه لا يهدمها، لأن ما فيه جزء ولو بسيط من حقيقة لا يطيب هدمه حتى وإن أمكن!.
ـ مهندس؟! حسنًا، لكنه بالأساس صانع وصائغ صُدَف!. وتظل كلمة مهندس بقياساتها الحاسمة أقل دقّة مما يجب، وهي أقل دقّة لأنها دقيقة جدًا!.
ـ كلمة مهندس تستدعي المسطرة والمنقلة والفرجار والتخطيطات الحاسمة والمتفّق على صحة قياساتها ومعادلاتها سلفًا، وهذا ما لا ينطبق على كرّاسة البدر الشعريّة!.
ـ جاء البدر أصلًا بهدف إلغاء الاتفاقات المسبقة على المبنى والمعنى!. وفي هذا مكمن عبقريته ونبوغه وتفرّده!.
ـ الحقيقي البسيط المتبقّي من صفة "المهندس" هو: التهيئة!.
ـ بدر بن عبد المحسن يجيد بحرفنة عالية، عالية، "قل عالية مرات كثيرة لتمتد بما يستحق الغيم والنبوغ معًا"، تهيئة المواعيد للصدفة الخارقة!.
ـ ينتظر بعدها، شأنه شأن كل صيّاد عظيم المهارة والصبر، التقاط هذه الصدفة الشعرية!.
ـ أعرفه، وأظنه، يكتب يوميًّا. ونحن حين لا نقرأ له قصيدة جديدة كل يوم، فلأنّ الصدفة لم تقع في حبائل المواعيد، ولا شيء آخر!.
ـ التقاطات بدر الرائعة، لا يمكن لهندسة أن تأتي بها، مثلما لا يمكن لها أن تأتي بغير هندسة عظيمة أيضًا!. هندسة تسبقها، تهيئ لها المكان، تراودها، تهم بها، وتقُدّ قميصها من قُبُل!. إن هي لم توافق تُرِكَتْ وشأنها!.
ـ "ليت الشوارع تجمع اثنين صدفة"!