2019-07-14 | 21:34 مقالات

صغيرة بأجنحة هائلة!

مشاركة الخبر      

العمل الفنّي مُتعِب ومُرهِق. يعرف الفنّان ذلك جيّدًا، يعرفه أكثر من غيره، لكنه يعرف أيضًا كم من المتعة واللذّة وتجليّات التّشَهّي ساكنة متحرّكة في قلب التّأدِيَة!.
ـ لو عَلِمَ من هو خارج الفن مشقّات إنجاز الأعمال الأدبيّة والفنيّة، لما اعتبر وصف أهل الفن بالمجانين مسألة مَجَاز فحسب!. ولأقسم بأغلظ الأيمان أنهم مجانين فعلًا!. ولطالب بمصحّات خاصة لهم!، مُهدِّدًا: كيف يمكن السماح بالبقاء بيننا لأُناس، كل واحد منهم على استعداد لشقّ ثيابه والخروج إلى الشارع عاريًا، مُقابل كلمة يريدها ولم يقع عليها، أو مقابل ضربة لون فرْشاة يحس بضرورتها ولا يدري كيف يُحرِّك يديه لتستقر في مكانها باللون نفسه والدرجة نفسها والتناغم نفسه مع بقيّة مكوّنات اللوحة؟!.
ـ كيف لمُخرج سينمائي رفض أموال الإعلانات وأفلام "الهَلْس"، بل التنازل عن أجره والدفع من جيبه، والعيش شبه معدم، مقابل فيلم يسخر فيه من الأغنياء ويحسدهم على ماهم فيه في نفس الوقت؟!. هل يُعقل أن يكون مثل هذا السينمائي عاقلًا حقًّا؟!.
ـ في مذكّراته، يصوّر الموسيقار محمد عبدالوهّاب، طبيعة الانتماء الفنّي. يعترف أنه وفيما لو كان خارجًا لأخذ الثأر من قاتل أبيه، ثم وفي لحظة الاختباء بانتظار فرصة الانقضاض، سمع مِمّن جاء لقتله، عزفًا موسيقيًّا مذهلًا، لم يوجد ولا يتكرر، لتركه حتى ينتهي، ثم قبّل يديه!.
ـ في المقابِل، يمكن القول إنه فيما لو عَلِمَ من هو خارج الفن، حجم المتعة وكثافة اللذّة وصدق المسَرّات التي يشعر بها الفنّان وهو منغمس في عمله، ينتظر لحظة الإشراق خارقة الجمال والبهاء والفتنة، لما وصفه بغير أنّه أسعد الناس حظًّا، وأوفرهم نصيبًا من الحياة!.
ـ والسؤال: ما الذي يمكنه جمع كل هذا التعب مع كل هذا الارتياح؟!. الجواب: لا أدري.. لا أعرف!. ولكنني أظن أنّ هذه اللاأدري وهذه اللاأعرف هي الجواب فعلًا وليس نكرانًا له أو تهرّبًا منه!.
ـ تحضر "شيمبورسكا" لتأكيد ذلك، وهذا شيء مما كتَبَتْهُ في محاضرتها بمناسبة تسلّمها جائزة نوبل عام 1996: "كل معرفة لا تقود إلى أسئلة جديدة تزول بسرعة: إنها معرفة تُخفق في الحفاظ على درجة الحرارة المطلوبة لاستدامة الحياة!،...، من أجل ذلك، تراني أُقدِّر حقّ قدرها تلك الجملة الصغيرة "لا أعرف"!. إنها صغيرة الحجم، لكن أجنحتها هائلة"!.