صحافة
شوقي..
أحمد شوقي شاعر مصري من أصول كردية، منحه النقاد العرب لقب أمير الشعراء.. كتب مثل غيره من الشعراء مئات الأبيات المداحة المتكئة على المبالغة الوصفية، وكان أشهرها قوله: "كاد المعلم أن يكون رسولا"..
يمشي الزمن سريعاً ويفقد المدرسون تلك المكانة الأبوية النافذة والمحصنة بالهيبة والتبجيل والتقدير والوقار، وذاك أمر يطول شرح أسبابه ومسبباته.. يقول شوقي أيضاً في أحد أبياته: "لكل زمان مضى آية.. وآية هذا الزمان الصحف".. بالطبع لم يكن لدى أمير الشعر أي نظرة مستقبلية متفحصة وذكية وواعية لتبدلات الأيام، وإلا لما امتدح المعلمين بتلك الطريقة الخالدة التي جعلت بيته حجة يرفعها المدرسون دليلاً على مكانة يجب أن يحتلوها.. ثم هاهي الصحف في العالم العربي تشهد تراجعاً مرعباً وسريعاً يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن شوقي كان يقف فقط بين جوقة المادحين لكل ما يعجبه دون أي قراءة أو رؤية مستقبلية.. حتى في وقتها وعز توهجها لم تكن الصحافة أبداً ذات قدرة على الإبهار أو الاستغراب.. كانت أداة للتنوير والتثقيف والإخبار وكل أنواع الإعلام.. كلام وصور مطبوعة على ورق، فأين هي الأسطورية أو العجائبية في الموضوع.. حتى قبل ظهور الصحف كانت الأوراق تطبع والصور تطبع، فلماذا عدها شوقي بكل ذلك المخزون الشعري آية هذا الزمان..؟ ليس هناك حل أو مخرج يمكننا فيه إنقاذ شوقي والبحث عن مبرر عقلاني له سوى القول إنه الشعر الذي يصح فيه البلاغة والمبالغة دون التوقف قليلاً أو كثيراً عند واقعية الأشياء.. الشاعر ليس ناقداً أو محللاً استراتيجياً حتى نلومه أو نستنكر كلامه.. إنه الشعر وليس وثائق رسمية أو تاريخية.. هذا وحده الذي يجعلنا نتقبل ما قاله بصدر رحب نحن الصحفيين كما فعل المدرسون وعلقوا ما قاله عنهم فوق رؤوسهم كما علق العرب القصائد المبجلة على أستار الكعبة في جاهليتهم الغابرة.. لم تكن الصحافة يوماً شيئًا يثير التساؤلات كما هو التلفزيون أو الراديو أو الإنترنت.. لكنها للأمانة كانت أم الإعلام وسيدة الإعلام وأهم ما جاء به الإعلام.. كانت تنتج رواد الفكر ورواد الكتابة ورواد اللغة الساحرة.. غير ذلك هي زوائد على دفاتر المبالغة.. مبالغة يمكن تمريرها لأن قائلها شوقي الذي قال عن المعلمين والصحفيين ذات الكلمات بصياغة مختلفة..