بَلَعَ
الكُلّ!
ـ مشاهدة فيلم سينمائي مأخوذ عن رواية، لا تعني قراءة الرّواية، ولا تحلّ محلّها أبدًا!. هذا لا يعيب الفيلم بالضّرورة. والحديث هنا ليس عن الأفضليّة، فالنّاس أذواق وقُدُرات!. وكلّ فنّ قادر على أن يُثري متلقّيه، ويثير أسئلته، بطريقته!.
ـ الحديث عن أنّ رواية الفيلم لا يمكنها أنْ تكون رواية الكتاب!.
قد يكون الفيلم أمينًا في نقل حكاية الرواية، وقد ينجح. المشكلة ليست في أمانة النقل!. المشكلة أنّ الحكاية في الرواية جزء من الرّواية وليست الرّواية نفسها!. تمامًا مثلما هي الحكاية جزء من الفيلم وليست الفيلم السينمائي كلّه!.
ـ لكلّ فنّ خصائصه، مثلما لكلّ فن أساليب استقباله وتذوّقه!. أساليب وأدوات!.
ـ نعرف تقارب الفنون من مُسْتَقْبِلاتها الكُبرى!. الشِّعر والموسيقى، مثلًا، مُتقارِبان لأن الأُذُن هي المُستَقبِل الكبير لهما، بينما المسرح والسّينما متقاربان لأنّ العين هي المُستقبِل الكبير لهما، وكذلك الرّسم والنّحت، هما أقرب لبعضهما من المسرح والسينما و”التلفزيون” بالضّرورة، لأنّ العين المُستقبِلَة لفن التمثيل، مُهيَّأة لمتابعة حَرَكَة في الزّمن، بينما العين المُستَقبِلَة للرسم مهيّأة لثبات!. في النّحت يتوجّب استخدام الجسد كاملًا، للدّوران حول الكُتْلَة، لكن العين هي المُستقبِل الكبير، وهي أقرب للثّبات عند تأمّل كل جزء أو مساحة!.
ـ الحواسّ جميعها، تتداخل وتتدخّل في فهم العمل الفنّي واستيعابه، لكن بِنَسَب. وبإذن الله يكون لنا في هذا حديث مفصّل في وقت لاحق...
ـ هناك عقبة أُخرى، تخصّ التّمثيل، وهي عقبة كبيرة جدًّا، وطريفة جدًّا، تمنع فعليًّا إمكانيّة التّطابق، بل وتُسهِم في كشف الاختلاف الكبير بين الرواية والفيلم المأخوذ عنها: الأداء!.
ـ سُئل نجيب محفوظ، مَرّةً:
في راويتك “ميرامار” وجّهتَ النَّقدَ لكلّ الشّخصّيات بكل ما تحمل “هذه الشخصيّات” من أفكار ومُعتقدات، لكن عندما “شاهدنا” الفيلم، كان الانتقاد موجّهًا إلى الفترة النّاصريّة فقط؟!.
ـ ردّ نجيب محفوظ بعبقريّته المرحة الكاشفة:
في الفيلم غلطة هي ليست غلطة!. كان من ضمن شخصيّات الرّواية رجُل إقطاعي، مثلما كانت هناك شخصيّات متعدّدة ومختلفة، كان هناك ناس تقدّميين، وناس ثورّيين ناصريّين، وكانت هناك شخصيّة الشّيوعي، وهكذا، لكن الذي حدث أنهم في الفيلم اختاروا “يوسف وهبي” ليجسّد شخصيّة الإقطاعي، فـ”بَلَعَ الكُلّ”!.