طلال بن منصور..
المنقذ
الاتحاد عبق تاريخي متوارث تخلله محطات شيدها أوفياء فصاغت شموخ أول وأعرق الأندية السعودية، هي بتجرد محطات خالدة بخلود أصحابها في ذاكرة الاتحاديين، ولعل أبرزها محطة العبور من شبح الاندثار إلى وجود بلا مثيل، والتي شيدها الأمير طلال بن منصور ـ رحمه الله ـ بفكره وجهده وماله عندما تولى رئاسة عميد الأندية السعودية في عام 1974م، بعد العاصفة التي تعرض لها النادي، التي كادت أن تودي بحياته لولا وقوف رجل الوفاء الراحل طلال بن منصور.
والحقيقة أن الفقيد ورث حب الاتحاد عن والده الأمير منصور بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ والذي تبرع للاتحاد بطائرة خاصة تقل الفريق إلى الشقيقة مصر ذهابًا وإيابًا للاطلاع على النشاط الرياضي هناك والاستفادة منه، بعد الفوز على بارجة شيفرن الإنجليزية بهدف نظيف في المباراة الشهيرة التي أقيمت في عام 1370هـ، والتي كانت بمثابة ملحمة وطنية أبدع فيها نادي الوطن.
ولقد التصق اسم الأمير طلال بالاتحاد قبل توليه رئاسة النادي رسميًّا، حيث حضر بعض المباريات ثم قام بزيارة النادي، فعُرضت عليه الرئاسة فقبلها بعد إلحاح، ولكن عطاءه للعميد امتد لنحو خمسين عامًا بذل إبانها الغالي والنفيس ولم يبخل على الكيان عبر خمسة عقود دون الالتفات إلى هوية القائمين عليه، كما لم يرتبط دعمه بإنجاز أو بطولة.
أبو منصور تقدم بشجاعة لرئاسة الاتحاد في ظل ظروف جدًا صعبة مرَّ بها النادي بعد توالي إدارات هشة على قيادته والفراغ الإداري الذي عانى منه العميد، إضافة إلى تراكم المديونيات وعزوف اللاعبين، فجاء المنقذ ليبث الروح مجددًا في العميد من خلال استراتيجيته التي وضعها لإنقاذ النادي، وإنفاقه بسخاء لإبرام تعاقدات كبيرة على مستوى اللاعبين والمدربين ليس فقط في لعبة كرة القدم، وإنما امتد اهتمام سموه ـ رحمه الله ـ إلى كافة الألعاب بالنادي والتي استعادت في ظل هذا الاهتمام الكثير من بريقها.
كما كان للأمير طلال فترة رئاسية أخرى في عام 1983م واصل فيها عطاءه اللامحدود للكيان الاتحادي، ولعل ذلك هو السبب وراء المحبة التي يكنها كل اتحادي للراحل الإنسان المتواضع صاحب الخلق الدمث الأمير طلال بن منصور، فالاتحاد نادٍ حضاري يقوم على الرأي والرأي الآخر فتتباين فيه الآراء وتختلف فيه وجهات النظر، ولكنها جميعها تلتقي عند محبة أبي منصور رحمه الله وتغمده بواسع مغفرته، الرجل الذي أحببناه حيًا وأحببناه ميتًا وسنحبه ما حيينا وحتى الممات.