ذكريات أزمة
سن الأربعين
يقال بأن عمر الأربعين هو العمر الأفضل والأقوى والأعقل، ولا اعتراض عندي على هذا القول شرط أن يكون الذي بلغ الأربعين بالأساس عاقلًا وذكيًا، وما بلوغه الأربعين إلا اكتمال لذكائه وحكمة عقله، أما إذا كان بالأساس إنسان فارغ فلن ينفع معه سن الأربعين ولا الخمسين ولا الثمانين، ربما سيبدو إذا ما كبر أنه صار أهدأ، ليس لأنه صار أعقل بل لأنه أصبح أضعف! عندما بلغت الأربعين دخلت ما يسمى بـ (أزمة الأربعين).
أذكر جيدًا أني عشت مشاعر غريبة لم أعتدها، كنت غير مصدق لوصولي للرقم 40، كان نطقه مخيفًا على لساني، كان رقمًا ضخمًا لا يشبه تلك الأرقام التي كنت أتحصل عليها كل عام دون خوف. هل يعني هذا الرقم أني غادرت مرحلة الشباب؟ هل يعني وصولي لهذا العدد الكبير إعلان فشلي فيما كنت أسعى لتحقيقه في الحياة ولم أحققه؟ كانت فترة التعايش مع الرقم الجديد صعبة ملأتها الأسئلة الحادة والأجوبة السوداوية. كان كل ذلك دون علمي بأن ما أعيشه حالة يتعرض لها بعض من بلغوا الأربعين ومصنفة على أنها أزمة أسمها أزمة سن الأربعين. في تلك الفترة وفي مكالمة هاتفية مع صديقي إبراهيم فضفضت له من الأفكار التي طال اعتراضها ليومياتي، وأنها تمكنت مني للدرجة التي جعلتني أتمدد بشكل يومي على الكنبة لثلاث وأربع ساعات، ولم ينتظر إبراهيم أكثر من ساعة حتى أرسل لي مقالًا لكاتب أمريكي لا أتذكر اسمه، كان عنوان المقال (أزمة الأربعين) ولم أنتهِ من قراءة المقال حتى انتهت كل الأفكار التي كانت تلتهمني، واستعدت قوتي في ثوان معدودة، ورحت منطلقًا في الحياة سعيدًا بوصولي للرقم أربعين. لا أتذكر الآن كل ما كان في المقال، لكني أتذكر الأهم الذي كان فيه. فبعد ما ذكره الكاتب من أن سن الأربعين هو سن النضوج وتراكم تجارب عمر العشرينات والثلاثينات قال بما معناه، إن الذي في الستين يتمنى لو كان في الأربعين والذي في الخمسين يتمنى لو كان في الأربعين، لأنه العمر الذي يكون فيه الإنسان قويًا جسديًا وفكريًا، وهما الصفتان اللتان يحتاجهما كل إنسان ذي طموح وراغب في تحقيق هدف محدد في حياته، إنه المنتصف الذهبي والعمر المناسب للانطلاق. قبل أيام وفي مكالمة هاتفية فضفض صديقي بدر عما في صدره، كان صوته باهتًا فاقدًا لحيويته المعتادة، قال: لقد كبرت.. بلغت سن الأربعين.. لا أدري كيف حدث ذلك.. لقد وجدت نفسي فجأة عند هذا الرقم الكبير.. وإلى ماذا وصلت؟ إلى الفوضى؟. لم يتطلب ردي عليه سوى الاستعانة لما كان في المقال، وذكرت له أمنيات الذين في الستين والخمسين في أن يكونوا في الأربعين، وكيف أن هذا العمر هو عمر الانطلاق. ومثلما حدث معي حدث مع بدر، عادت له حيويته بسرعة، ووجدته يضيف من عنده بعض ما يعزز كلامي. لم أتردد في ممارسة الأستاذية على بدر بعد أن شكرني كثيرًا فقلت له: هذه من فوائد صداقة الخبراء والحكماء.. ثم أنهيت المكالمة بما بدأت فيه المقال: الأربعين سن اكتمال القوة والحكمة، لكن اكتمال هذه الصفات مرهون بوجودها في الشخص بالأساس، عدا ذلك هو تقدم في السن فقط.. ولا أظنها موجودة فيك يا بدر.. بدليل أنك صادقتني!