قائد الاتحاد ينجو من العقوبة.. والمشهد يتكرر حول العالم غراب يروي حادثة الأهلي:
خفت عليه.. فصفعته
جاهدًا يسعى الاتحاد الدولي لكرة القدم إلى إصباغ عوالم اللعبة، في كل مكان، بالخلق الرفيع، والبعد عن كل ألوان العنف.. تريد هذه المنظومة المولودة قبل 120 عامًا، والمتخذة من مدينة زيوريخ السويسرية الساحرة معقلًا لها، أن يكون المستطيل الأخضر مرتعًا وقبلة وعنوانًا دائمًا للتعاملات المثالية.. تريد المنظومة التي تعيش في صرح زجاجي لا يمكن لأحد رميه بالحجارة، ربط كرة القدم بمجملها بتوجهات نموذجية، تعطي اللعبة مزيدًا من الشعبية والرزانة والوقار..
حينما يتخطى التنافس بين اللاعبين الخصوم تلك الحدود الحذرة، تنتفض اللوائح بأذرعها الممتدة لتوقف المتجاوزين عند مواطئ أقدامهم.. قانون واضح وحازم ولا تأخذه بالحق لومة لائم بعيدًا عن تجاوزات قضاة الملاعب وهفواتهم وأخطائهم بين مباراة وأخرى.. هذا كلام مفهوم ولا يحتاج مزيدًا من التوضيح، لأنه من عمق فلسفة كرة القدم وقانونها الراسخ في مسيرة اللعبة الصاخبة.. هناك وجه آخر في هذه المعادلة.. وجه غريب.. والغرباء لا يقاس عليهم.. وجه بلا ملامح وبلا معنى وبلا مبرر.. وجه غاضب وجاهل ومتجهم.. وما أقبح الوجوه المصابة بالغضب الجاهل..!!
حينما يتأذى اللاعب من قِبل لاعب الفريق المنافس، فإنه ينشد ضمير الحكم، وينشد روح القانون، وينشد نص القانون، ثم يترك الباقي على قرار لا يمتلكه.. لكن حينما تأتي هذه المضرّة من زميله ورفيقه والمدافع معه عن شعار واحد، فهنا تصبح الأضرار جسدية مرة واحدة، ومعنوية مليون مرة..
يتعاتب اللاعبون فيما بينهم بصورة مستمرة.. وأحيانًا يصل الاختلاف إلى حد التشابك قبل تدخل زملائهم لحل المشكلة الطارئة.. هذه ربما تكون أجواء معتادة، لكن حينما تتطور الأمور إلى تجاوز الخطوط الحمراء فهنا يكون أي حدث مثل هذا تاريخيًّا، يفرض على الأجيال تناقله، والكلام عنه بوصفه شيئًا خارقًا، لا يحدث إلا كل 20 عامًا مرة واحدة.. آخر الذين اعتدوا على زملائهم لاعب الأخدود حمد آل منصور، والضحية كان الحارس البرازيلي باولو فيتور خلال المباراة أمام الحزم قبل شهر من الآن تقريبًا.. حمد آل منصور بصق على الحارس الذي يملك تجربة، يمكن وصفها بالمعقولة، ولم يتضح السبب وراء ذلك السلوك، الذي أجبر لجنة الانضباط على معاقبته بالإيقاف ست مباريات، وتغريمه 60 ألف ريال.. كان فعلًا شائنًا ضد الخصوم، فكيف سيكون وصفه وحاله مع زملائك.. وظلم ذوي القربى أشد مضاضة، كما يقول شاعر العرب الكبير طرفة بن العبد..!!
قبل نحو 37 عامًا، شهدت الملاعب المحلية السعودية حادثة الاعتداء الأشهر بين زملاء الفريق الواحد، وبالتحديد في 7 فبراير عام 1986، حينما التقى الاتحاد والأهلي في مواجهة تنافسية مثيرة ضمن منافسات كأس الاتحاد.. انتصر الاتحاد بهدف علي عشعوش مرجحًا كفة الاتحاديين للمرة الأولى عقب ستة أعوام عجاف، لم يذق فيها أصحاب القمصان المقلَّمة بالأسود والأصفر الفوز.. ينتصف الشوط الثاني، وفي كرة هوائية، يرتقي خالد الحربي، مدافع الاتحاد، مع علي حسين، المهاجم الأهلاوي، الذي سقط جراء ذلك الاحتكاك، ليطلق حكم المباراة محمد فودة صافرته محتسبًا خطأ لمصلحة الاتحاد، ويشهر البطاقة الحمراء في وجه الحربي.. أثار قرار الحكم حفيظة عبد الله غراب، قائد الاتحاد، فلم يتوجه صوب الحكم لمناقشته حول صواب رأيه من عدمه، وإنما قصد زميله المدافع المطرود، وليس لتهدئته أو رفع معنوياته مثلًا، وإنما ليوجه له صفعة سريعة وخطافية، لا تزال الأشهر في سجلات الحالات الغرائبية بين أحداث كرة القدم المحلية.. الأكثر غرابة أن المدافع خالد الحربي هو شقيق عبد الله غراب لكن كل منهما اشتهر باسم مختلف.. الصافع والمصفوع شقيقان.. يستذكر عبد الله غراب نفسه تلك الحادثة وأجواءها ويقول: “كنا متقدمين وبحاجة إلى الفوز، وحينما شاهدت الحكم يشهر البطاقة الحمراء في وجه شقيقي خالد، لم يتبادر إلى ذهني سوى ردود فعل الجماهير لو لا سمح الله خرجنا خاسرين.. كانت الجماهير ستحمله السبب وراء ما حدث”.
ويتابع: “وجهت صفعة قاسية له.. بالعقل لم يكن تصرفًا مثاليًّا، لكنني فعلت ما فعلته بدافع حرصي على شقيقي وعلى فريقي، ولم أتلقَّ أي عقوبة من الحكم.. إدارة النادي أيضًا لم تعاقبني.. اتحاد الكرة هو الآخر لم يطلني منه أي شيء.. الحادثة مرت بسلام، وبقيت مجرد ذكرى عابرة.. حتى شقيقي خالد رحمه الله لم يتكلم معي فيها أبدًا”.
الحكم الدولي المصري محمد ريشة يتناول هذه الحادثة ويقول: “قانون اعتداء زملاء الفريق الواحد ضد بعضهم بعضًا ليس جديدًا، فهو قديم وكان مطبّقًا ومعمولًا به أثناء حادثة الصفع التي حدثت في مباراة الاتحاد والأهلي عام 1986، وكان يستوجب على حكم اللقاء طرد عبد الله غراب عقب اعتدائه على زميله”.
هناك ما جرى أيضًا في الساحة العالمية التي تملك هي الأخرى سجلًا وافرًا في هذا الطريق المظلم.. حالة لي بوير، وكيرون داير، ثنائي نيوكاسل، خلال مباراة أمام أستون فيلا عام 2004، إذ تشابكا بالأيدي بعد خلافات حول تصرفهما بالكرة في اللقاء، الأمر الذي أدّى إلى طرد اللاعبين، وحصول داير على عقوبة الإيقاف ثلاث مباريات، مقابل عقوبة الإيقاف ست مباريات مع غرامات مالية على بوير، كونه وجّه اللكمة الأولى. أما في إسكتلندا، فهناك مثال على أن المباريات التجريبية لا تكون ودية أحيانًا، فخلال لقاء بين هارتس ورايث عام 1994، حدث تشابك حاد بين كرايج ليفين، وجرايم هوج، لاعبَي هارتس، والنتيجة كانت خروج هوج من الملعب على حمالة مع أنف مكسور، وإيقاف ليفين 12 مباراة مع حرمانه من شارة القيادة.
وفي ألمانيا، وخلال ديربي دورتموند وشالكة عام 2003، وبعد استقبال دورتموند هدفًا، ترك ينز ليمان، حارس الفريق، مرماه واتجه نحو زميله مارسيو أموروزو، فعاتبه لفظيًّا ودفعه، ما أدّى إلى طرد ليمان، والمضحك والمبكي في هذه الحادثة أن الهدف ألغي بداعي التسلل.
وهناك حالات أخرى، كان أطرافها لاعبون ينشطون حاليًّا في الملاعب السعودية، مثل الاشتباك الذي حدث بين ألكسندر ميتروفيتش وأبو بكر كمارا في حصة تدريبية بعد مباراة بين فولهام وهادرسفيلد، سببه إصرار الأخير على تنفيذ ركلة جزاء، علمًا أنه أهدرها، وإقدام ساديو ماني على لكم ليروي سانيه في غرف تبديل الملابس بعد مباراة بايرن ميونيخ ومانشستر سيتي الموسم الماضي، وسببه معاتبة سانيه لزميله السابق على أرض الملعب.