مهلا عزيزتنا التقنية!
كل الذين في الأربعينيات من عمرهم شهود على تبدل الزمن، من أسلوب حياة إلى آخر، ومن مفاهيم إلى أخرى. كان ظهور الآلة انتقال من عصر إلى آخر، اختصرت الميكانيكا المسافات، وجعلت الانتقال من قارة إلى أخرى مجرد نزهة تستغرق ساعات، تشاهد فيها الغيوم من حولك، وتتناول الطعام الذي في منيو الطائرة. لكن الانتقال الذي تسبَّبته الآلة مر عبر أجيال، كان بطيئًا بقياس السرعة التي تحوَّل فيها العصر مع ظهور الإنترنت.
لقد تبدل في 30 عامًا ما كنّا نعتقد أن لا بديل له، ولو بحثنا في أحاديث العلماء والمفكرين فلن نجد من توقع لزمننا هذا التحول السريع، وأن تصل المسألة لشراء فاكهتك من خلال شاشة صغيرة تعمل كهاتف مرئي ومسموع وبقالة وسوق تجاري ومكتبة ومعهد وجامعة ومصرف وملتقى لمليارات البشر.
لم يتوقف التسارع عند هذا الحد، وصرنا في واقع جديد عنوانه زمن الذكاء الاصطناعي، ومثلما تبدلت أشياء كنَّا نعتقد أن لا بديل لها، أصبحنا نرى البدائل يفرضها الذكاء الاصطناعي، الفارق أن الإنترنت احتاج 30 عامًا ليغير أسلوب الحياة، بينما لن ينتظر الذكاء الاصطناعي كل هذه المدة ليحول الجديد الذي قدَّمه الانترنت إلى شيء قديم.
قبل أيام كنت في نقاش مع زميل عن حقيقة الفيديو الذي نشاهده، هل هو حقيقي أم من صناعة الذكاء الاصطناعي، إلى هذه الواقعية وصل المستوى الذي صرنا لا نفرق فيه بين ما هو حقيقي وما هو مصنوع، وآخر ما قرأته كان عن قفزات جديدة للذكاء الاصطناعي سنشاهدها في عام 2025، قفزات قيل إنها ستجعل من العامين الماضيين يبدوان من الماضي القديم! لن أتفاجأ من تغييرات سريعة، بالأمس قرأت أن شركة صينية ستقدم حكمًا صناعيًّا لمباريات كرة القدم كبديل للإنسان، وأن الحكم الجديد سيكون أفضل من الإنسان لأنه لا يرتبك، ولا يتأثر بضغط الجماهير، وسيشرح للمشاهدين الأسباب التي اتخذ عليها قراراته.
لا أعرف إلى أين يتجه بنا الذكاء الاصطناعي، ما أعرفه أنه يفرض التغيير في حياتنا بسرعة صاروخية، ومع كل فوائده في الطب ومجالات أخرى، إلا أن المشروع التجاري هو الظاهر الأكبر منه، وآخر التحذيرات من السمة التجارية جاءت على لسان عرّاب الذكاء الاصطناعي «جيفري هينتون» بأن ما صنعناه قد يقضي على الجنس البشري، لأن هذه التقنية والآلات المتطورة قد تصبح خلال سنوات هي المسيطرة، ودعا هينتون إلى تنظيم حكومي على شركات الذكاء الاصطناعي. لا أعرف إن كان هينتون قد بالغ في أن التقنية والآلة ستقضيان على الجنس البشري، لكنني متأكد أن ما يهم الشركات هو مصلحتها وزيادة أرباحها.