2025-03-15 | 02:01 مقالات

وش الحل مع التحكيم؟

مشاركة الخبر      

لا شيء يجمع العالم كحب كرة القدم. وأنت تتنقل بريموت التلفزيون بين مباريات الدوريات العالمية، ستتوقف لمشاهدة ضربات جزاء في الدوري الفرنسي، ثم ستصفق بإعجاب لهدف في الدوري الإنجليزي، وستتأمل جوالك لترى صديقك يرسل لك هدفًا أعجبه في الدوري الألماني، وتقف بسيارتك عند إشارة المرور متأملًا المقهى المجاور الذي يعرض مباراة في الدوري الإيطالي، ثم تصل إلى استراحة أصدقائك وهم يترافعون دفاعًا عن فرقهم في الدوري السعودي.
كرة القدم هي ملجؤك في كل لحظات حياتك. تتصفح «تيك توك» قبل نومك فتجد نفسك مبتسمًا لمقطع يعرض هدف سالم في الأرجنتين، وتتوقف عند إعادة جديدة لهدف فهد المولد أمام اليابان، ثم تستخدم أصابعك لتكبير لقطة تسلل مختلف عليها بين النصر والهلال، باختصار.. حب كرة القدم يتجاوز مجرد المنافسة على المستطيل الأخضر.
إنها متنفس، ومساحة لتكوين الصداقات، وموعد ثابت لاجتماع الأحبة، وذكريات فرح، وقصص تُروى لسنوات، كلها مرتبطة بمباريات أو انتصارات خالدة.
ورغم كثرة التعديلات على أنظمة وقوانين اللعبة، إلا أن التحكيم ما زال بلا حل، لا سيما في القرارات المبنية على «تقدير الحكم»، أتفهم أن تقنية «VAR» ساهمت بشكل كبير جدًا في تنظيم المباريات، خصوصًا في حالات التسلل الدقيقة أو حالات الطرد التي لم يشاهدها الحكم، إلا أن القرارات التقديرية لا تزال تمثل الجدل الأكبر .. من المؤسف أن يتحول حوارنا بعد المباريات إلى نقاش حول قرار حكم أو تسلل غير صحيح، بدلًا من التركيز على الجوانب الفنية وطريقة إدارة المدربين للمباريات.
على سبيل المثال، في مباراة الاتحاد والرياض الماضية، أرى أن الحكم ألغى هدفًا صحيحًا للاتحاد بحجة أن مدافع الرياض «لم يكن مسيطرًا على الكرة لحظة إعادتها»، ثم احتسب ضربة جزاء غير صحيحة «في رأيي أيضًا» في الدقائق الأخيرة، باعتبار الأمر «تقديريًا» من خلال تقييم حركة اليد ورفع لاعب الاتحاد قدمه في وجه المنافس، لكن كل ذلك يندرج ضمن مفهوم «تقدير الحكم» .. وربما لو كان هذا الحكم ذاته يدير مباراة أخرى في الدوري الهولندي، وحدثت له حادثة مشابهة، لربما اتخذ قرارًا مختلفًا نظرًا لعوامل عدة مثل «حماس المباراة - ضغط اللاعبين والجمهور - تأثير النتيجة على ترتيب الفرق - تدخل حكم الـ«VAR» .. وغيرها».
مع مرور الأيام، أصبح الحديث عن «الذمم» هو السائد عند مناقشة التحكيم، وهذا أمر مؤذٍ لمن يعمل في المنظومة. لا ينبغي أن تصل الأمور إلى حد الاتهامات المباشرة، خاصة أننا نرى الحكام يخطئون ضد الفريق ذاته كما يخطئون لصالحه، في مباراة الاتحاد والرياض مثلًا، لا يمكن اتهام الحكم بسوء النية لمجرد عدم احتسابه هدف بنزيما، ثم التغاضي عن خطئه حين احتسب ضربة جزاء لصالح الفريق نفسه، لو كان الحكم متعمدًا خسارة الاتحاد، فمن الطبيعي ألا يمنحه ركلة جزاء في الدقائق الأخيرة.
لست أقول هذا انتقاداً لجمهور الاتحاد أو أي فريق آخر، بل أتحدث بصفة عامة، لأن هذه النقاشات تتكرر في كل مكان، بل ربما أكثر مما لدينا، في الدوري المصري، على سبيل المثال، شهدنا جدلًا واسعًا حول التحكيم في أهم مباريات الموسم، أما في الدوري الإنجليزي، الذي يُصنف على أنه الأكثر تنظيمًا، تمر لقطات وأخطاء قد تكون أشنع مما يظهر في دورينا، حتى دوري أبطال أوروبا لم يسلم من الانتقادات الحادة والاتهامات المستمرة.
كل شيء يمكن حله إلا «القرار التقديري». وأعتقد أننا قد نصل يومًا ما، خاصة في مباريات الحسم أو خروج المغلوب، إلى تطبيق بعض المفاهيم الأولمبية مثل تعيين لجنة من عدة حكام لتقييم الحالات الجدلية، كما يحدث في رياضة الغطس، حيث يُستعان بسبعة قضاة للحكم على الأداء، فالتحكيم التقديري لا ينبغي أن يكون على عاتق حكم واحد يركض مسافة تتراوح بين 9 و13 كيلومترًا في المباراة الواحدة، ويتعرض لضغوط اللاعبين وصراخهم، وتأثير الجماهير، وضغط إداريي الفريقين .. في النهاية، هو بشر، وقراراته التقديرية قد تتأثر بكل هذه العوامل، بل وحتى بحالة الطقس أحيانًا.
كل ما أحلم به هو أن أكون يومًا ما جزءًا من نقاش كروي لا يتطرق إلى قرارات الحكام، ولا إلى لقطات فيديو تُعرض للمقارنة بين حالات وأخرى، ولا إلى رأي حكم محلي يغيّر قوانين اللعبة وفقًا لمزاجه. لكن يبدو أن هذا في حكم المستحيل.