2025-08-23 | 22:46 مقالات

اختبار المريسل.. أتفهم؟

مشاركة الخبر      

كان المشهد مزعجًا أمام عدسات الإعلام في هونج كونج. ماتياس يايسله، مدرب أحد طرفي نهائي السوبر، تلقَّى سؤالًا من عبد العزيز المريسل، فما كان في جوابه سوى أن خلط المهني بالشخصي، فأطلق مرتين كلمةً نابيةً: bull**t وصفًا للسؤال! ثم أنهى جوابه بنبرة استعلاءٍ: «أتفهم؟.. لماذا لم تعد تبتسم؟».
مثل هذه اللحظة لا تمرُّ مرور الكرام في أي بيئةٍ مهنيةٍ حيَّةٍ، فلوائح الانضباط في الاتحاد الدولي لكرة القدم «FIFA Disciplinary Code»، تنصُّ على أن «أي شخصٍ يسيء إلى شخصٍ طبيعي، أو معنوي بأي شكلٍ، خاصَّةً باستخدام إشاراتٍ، أو علاماتٍ، أو لغةٍ مسيئةٍ، يُعدُّ ذلك مخالفةً، تستوجب العقوبة، سواء بالغرامة، أو الإيقاف، وينطبق هذا أيضًا على الاتحادات القارية، التي تعد المؤتمرات الصحافية جزءًا من المساحات الرسمية الخاضعة لقواعد السلوك الرياضي».
الكلمة نفسها قد تُصنَّف في القواميس الإنجليزية باعتبارها «mild profanity»، أي لفظًا نابيًا خفيفًا، لكنَّها حين تُقال في مؤتمرٍ صحافي سعودي، تتحوَّل إلى إساءةٍ مباشرةٍ للسائل والمهنة معًا، لذا رأينا اتحاداتٍ حول العالم، تفرض غراماتٍ على مدربين ولاعبين، استخدموا تعابيرَ مشابهةً.
الأغلب أن الصدى لن يكون موازيًا للفعل، فهيئة الصحافيين لن تستنكر، واتحاد الإعلام الرياضي أعلنها بلسان رئيسه المرشَّح من وزارة الرياضة: «نحن لا ندافع عن أحدٍ».
هذا يفتح الباب أمام سؤالٍ أوسع: لماذا تأسَّس اتحاد الإعلام الرياضي أصلًا؟ لم يتضح أنه أتى تلبيةً لحاجةٍ مهنيةٍ حقيقيةٍ، بل تولى سلطة منح التراخيص الإعلامية وسحبها، وكأن وزارة الرياضة تحاكم الإعلام في مفارقةٍ أشبه بأن تنظر محكمةٌ للأحوال الشخصية التابعة لوزارة العدل في قضيةٍ إداريةٍ تابعةٍ لديوان المظالم، وتحكم فيها!
لم يكن غريبًا أن يغيب الاتحاد عن القضايا الجوهرية، وأن يكتفي بعروضٍ استهلاكيةٍ هامشيةٍ، وصلت ذات يومٍ إلى «خصم نصف كيلو كباب». وفي الوقت الذي كان فيه من المفترض أن يتصدر المشهد دفاعًا عن مهنة الإعلام الرياضي ومنتسبيها، اختار لائحيًّا الركون إلى الهامش.
الحادثة ليست مجرد كلمةٍ انفعاليةٍ من مدربٍ ألماني. إنها اختبارٌ شاملٌ لاتحاد القدم ولجانه: هل تحمي حرمة المؤتمرات الصحافية؟ ولهيئة الصحافيين: هل تتجاوز سباتها، وتستعيد دورها في صون المهنة؟ ولاتحاد الإعلام الرياضي: هل يجد ما يبرر وجوده أكثر من نشر عروض التخفيضات؟
لقد آن الأوان لنفهم أن احترام الإعلام ليس ترفًا، بل جزءًا من البنية الاحترافية للرياضة نفسها، وكلمة "bull**t"، رغم قصرها، وضعتنا جميعًا أمام اختبار: إمَّا أن نصون الحوار، ونحمي المهنة، أو أن نترك المدربين يظنون أن «ما حولهم أحد». أتفهم؟