إندونيسيا.. أول آسيوي في المونديال والرهان على المواليد
لا يحظى منتخب إندونيسيا الأول لكرة القدم بمساحة في دائرة عمالقة القارة الآسيوية، فهو لم يكن مرشحًا أو منافسًا حقيقيًا في جميع مشاركاته بكأس آسيا، ورحلتُه الحالية ضمن تصفيات كأس العالم هي الأطول بالنسبة له.
إلا أنّه كتب ماضيًا لافتًا قبل الحرب العالمية الثانية، عندما كانت بلاده تحت الاستعمار الهولندي، فكان أول ممثلي القارة في المونديال، كما سجل حضورًا أولمبيًا في الخمسينيات، ثم خفت نجمه لأعوام طويلة تخللتها نزاعات وصلت حد الإيقاف، وصولاً إلى صحوة يسودها التفاؤل لدى الجيل الجديد.
ويعود تاريخ المباريات الأولى في تاريخ إندونيسيا إلى حقبة الاستعمار، إذ كانت تلك المنطقة من آسيا خاضعة للاستعمار الهولندي منذ بداية القرن الـ 17 وحتى الأشهر التي تلت الحرب العالمية الثانية، والبصمة الهولندية الرياضية هناك أنتجت اتحادًا كرويًا حمل اسم اتحاد الهند الشرقية الهولندية، والسجلات تظهر مواجهات لمنتخب هذا الاتحاد أمام أستراليا عام 1928، وأمام فريق من شنجهاي الصينية عام 1930.
وفي خطوة مضادة، أسس الإندونيسيون عام 1930 اتحادًا كرويًا ثانيًا، بعد اجتماع في مدينة سوراكارتا، في محاولة رياضية لمقاومة الاستعمار الهولندي بشكل عام، والسيطرة الهولندية على الرياضة بشكل خاص، وبهدف إقناع اللاعبين بتمثيل إندونيسيا تحت راية الاتحاد الجديد، إلى أن التقى ممثلو الاتحاديْن عام 1935، ووحدوا الصفوف لتقوية منتخب موحد، ولو أن اتحاد الهند الشرقية الهولندية بقي الاتحاد المعترف به لتلك المنطقة من قبل الاتحاد الدولي.
وعرف الإندونيسيون نجاحات لافتة في سنواتهم الكروية الأولى، إذ تأهل منتخب الهند الشرقية الهولندية إلى نهائيات كأس العالم 1938، ولو أنّه لم يلعب أي مباراة في التصفيات، وذلك بعد انسحاب اليابان من التصفيات الآسيوية، ثم أجبر الاتحاد الدولي المنتخب على خوض مباراة ملحق أمام الولايات المتحدة، لكن الأخير انسحب بدوره.
وبذلك، أصبح منتخب الهند الشرقية الهولندية، أو بالأحرى منتخب إندونيسيا بمسماه القديم، أول منتخب آسيوي يشارك في كأس العالم، فحضروا على الأراضي الفرنسية عام 1938، بقيادة المدرب الهولندي يوهان ماستنبروك، فيما حمل شارة قيادة المنتخب لاعبًا إندونيسيًا محليًا وهو أحمد نوير، إلا أنّهم خرجوا بعد الخسارة في أولى المباريات بنتيجة 0ـ6 أمام منتخب هنغاريا، والذي حصل على فضية المونديال في تلك النسخة.
وتم الاستغناء بشكل كامل عن اسم الهند الشرقية الهولندية، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، والثورة الإندونيسية عام 1947، ليلعب هذا المنتخب أول مبارياته تحت اسم إندونيسيا في 5 مارس 1951، عندما خسر 0ـ3 أمام الهند في دورة الألعاب الآسيوية.
ولم يكتفِ هذا المنتخب بحضوره على المسرح المونديالي، إنما سجل اسمه بين المنتخبات المشاركة في الأولمبياد، وتحديدًا في نسخة ملبورن الأسترالية عام 1956، وتأهل إلى ربع النهائي الأولمبي بعد انسحاب منتخب جنوب فيتنام، منافسهم في الدور الأول، وكان على مشارف إحداث مفاجأة من العيار الثقيل عندما فرض التعادل السلبي على الاتحاد السوفييتي، الذي هزم ألمانيا في الدور الأول، لكن مباراة الإعادة ابتسمت للسوفييت بنتيجة 4ـ0.
وكان منتخب إندونيسيا قريبًا من تسجيل حضوره الثاني في كأس العالم، عندما تجاوز الصين في الدور الأول من تصفيات 1958، إلا أنّه رفض خوض مواجهته في الدوري الثاني لأسباب سياسية، وتلا ذلك فترة طويلة من الغياب عن المحافل البارزة، وإخفاقات كثيرة لأعوام طويلة، إلى أن تأهل المنتخب إلى كأس آسيا للمرة الأولى في تاريخه عام 1996، قبل أن يشارك في 3 نسخ متتالية بين 2000 و2007.
ودخلت الكرة الإندونيسية منعطفًا صعبًا عام 2012، مع إطلاق مسابقة دوري ثانية معارضة لبطولة الدوري التابعة للاتحاد الإندونيسي، فوقعت خلافات حادة استمرت لشهور قبل التوصل إلى تسوية، لكن الضربة المؤلمة حدثت عام 2015، عندما قرر الاتحاد الدولي إيقاف الاتحاد المحلي هناك بسبب تدخل الحكومة الإندونيسية في المسابقات المحلية، ما أدّى لحرمان المنتخب من المشاركة في تصفيات كأس العالم 2018، وكأس آسيا 2019.
وبدأت بعد ذلك حقبة نهوض قادها شين تاي يونج، المدرب الكوري الجنوبي، الذي أشرف على قيادة المنتخب الإندونيسي بين 2020 و2025، فأعاده إلى الواجهة، وتأهل إلى كأس آسيا عام 2023، بعد غياب دام 16 عامًا عن البطولة الآسيوية، كما نجح المنتخب بتجاوز دور المجموعات للمرة الأولى في تاريخه، من بوابة أفضل الثوالث.
ومع انتهاء حقبة يونج، بدأت مرحلة جديدة مع باتريك كلويفرت، المدرب الهولندي، الذي يقود المنتخب الإندونيسي منذ بداية العام الحالي، وشهدت مرحلته هزيمتان قاسيتان أمام أستراليا واليابان، وانتصاران غاية في الأهمية على البحرين والصين، ما أدّى لتأهل الفريق إلى الملحق، في أطول رحلة إندونيسية في تصفيات كأس العالم تاريخيًا.
وإذا كان تاريخ منتخب إندونيسيا مقترنًا بالنفس الهولندي، نظرًا لحقبة الاستعمار، والانطلاقة مع ماستنبروك المدرب الأول، فإن بصمة الهولنديين لا تزال حاضرة بقوة في الجيل الحالي، والحديث هنا ليس عن المدرب كلويفرت فحسب، إنّما عن قائمة اللاعبين الحالية، والتي تضمّ 16 لاعبًا من مواليد هولندا، أبرزهم جاي إيدزس لاعب ساسولو الإيطالي، وكيفن ديكس لاعب منشنجلادباخ الألماني.