كائنات فضائية
يختلف المذيعون والمراسلون والمعلقون والمحللون بالاستديوهات الفنية.. ويتباينون في أشياء كثيرة لاحصر لها.. من بين هذه الأشياء.. طريقة أدائهم وتحضيرهم ومظهرهم ومدى موسوعية ثقافتهم وملاءمة كل ذلك لمطلوبات الخدمة التي يقدمونها.. لكن جميعهم يكاد يتفق.. وخاصة حين يسأل عن بداياته.. كيف أن كائناً لايأكل الطعام ولايمشي بين الناس في الأسواق كان سبباً مباشراً ومسبباً رئيسياً في دخولهم الاستديوهات.. بل ومدخلاً أساسياً لطلتهم البهية عبر الفضائيات المرئية.
هذا الكائن الذي ينقل الفرد منهم والجماعة على السواء.. من كائنات غير مرئية لاتتمتع بالشهرة والذيوع إلا فيما ندر.. إلى عوالم من الأضواء والظهور الكثيف.. فقط هو الصدفة.. ولك أن تتخيل عزيزي القاريء تلك الصدفة ومصادفاتها العجيبة.. والتي حولت مسار الكثيرين وبدلت اتجاهاتهم.. ليصبحوا ما بين غمضة عين وانتباهتها بدلاً عن شخوص مغمورين أشخاصاً لامعين ونجوماً فضائيين.. يزينون الشاشة البلورية بمعسول كلامهم فيألفون ويؤلفون.
لكن هذه الصدفة المزعومة.. يبدو أنها تحابي بعضاً وتجافي بعضاً آخر.. وإلا بربكم كيف لم تتعطف عليّ وأنا الفقير إلى الظهور الفضائي.. لتنفحني بببركاتها وتحولني من مجرد محرر بائس إلى نجم تلفزيوني يتمتع بالفخامة والضخامة.. ويمكنه الافتاء في كل شأن فني ورياضي.. وبحيث ألقي - لاحقا- على أسماع الجماهير غير الأحرار في أذواقهم كيف أنني وخلال تجوالي في أحد المنتزهات العامة تصادف أن التقط صوتي العابر للآذان.. والنافذ إلى أركان القلب وأقاصي الوجدان.. من يجيد اكتشاف موهبتي ويقودني إلى الأمجاد الفضائية؟
الحق إنني ولكثرة ما قرأت عن تلك المصادفات.. رحت أجوب جميع مواقعها ومواطنها.. فلا أكاد اقرأ لأحدهم أثراً للصدفة وتحقيقاً للمصادفات فيما هو فيه من نجومية.. إلا ويممت صوب ما أشار إليه من موطن للصدفة ومهدٍ لتنزلاتها.. لكنني والحمد والمنة لله لا أعود إلا بخفي قلمي وكيبوردي.. محرر لا حول له ولاقوة.. اللهم لانسألك رد القضاء.. ولكن نسألك لطفاً "فضائياً".