الربيع الرياضي الذي أزهر في الملاعب
أقل ما يمكن أن توصف به حالة دخول العائلات إلى الملاعب الرياضية لأول مرة في البلاد بالربيع الرياضي أو المجتمعي، فقد أزهر ورداً في المدرجات، وازدانت ساحاته وممراته بفرح نقي لوجوه راضية مبتسمة تتنفس حياة السكينة بعد تنغيص، والثقة بعد اهتزاز.
المشهدان التاريخيان اللذان شهدتهما جدة العروس، والرياض العاصمة سيظل منطبعاً في ذاكرة المجتمع السعودي يسترجعه كل مرة بكثير من الامتنان للقرار ومن وراءه، حيث أنهى معه عقوداً من "الصمت" و"الجدل"، الصمت الذي كان لا يرى في الأصل "في ظنه" مشروعية دخول النساء للملاعب دينياً واجتماعياً عقوداً مضت، والجدل الذي طرأ في العقد الأخير حول وما الذي يمنع من دخولهن؟
الأمر ليس انتصار رأي على آخر، ولا فكرة أسقطت مثلها، شؤون المجتمع وأحواله ومصالحه لا يمكن أن ترهن لأي تجاذبات ولا ينبغي أن نصور أن هناك انتصاراً لفئة تحقق على أخرى، لكن كان على القائمين على المجتمع حمايته "هذا ما تم" من هيمنة تيار فكر أياً كان أو نمط حياة محدد يتم فرضه عليه، ومن ذلك تم تحرير بعض الاعتقادات وتصويبها أو تفكيك بعض ما تشابك وتشابه على أن له أصلاً شرعياً أو تقاليد ملزمة لينتهي الأمر على هذا النحو.
الناظر للمصلحة بتجرد مقتنع أن مثل هذه القرارات كانت فعلاً مدعومة بصحيح الشرع ومشفوعة بضوابطه لتبقى المحافظة على التقاليد والعادات من مسؤولية المستفيدين من أي خدمه ترفيهية أو خدمية وما عملت عليه هيئة الرياضة عبر المختصين في وكالة الهيئة للشؤون الفنية والاستثمار من تيسير وتسهيلات وتنظيم وانضباط سيساهم في ذلك، وأن تكون الملاعب وجهة ترفيهية للعائلات بامتياز لمن يراها كذلك هذا الأمر ببساطة شديدة!
يقول الكاتب ممدوح المهيني في مقال له في صحيفة "الحياة": "على أن مثل هذا القرار "السماح للنساء بدخول الملاعب" من شأنه أن يخفف من الدعاية السيئة التي حيكت ضد مجتمعنا في وسائل الإعلام الغربية، إلا أن ما يهم فعلياً ليس ما يقال خارجياً، ولكن بما يؤمن به أفراد المجتمع حول قضايا تعكس مدى وعيه وتحضره واحترامه لحقوق الإنسان، التي ستنعكس في النهاية على ازدهاره وتقدمه والقانون الاجتماعي يذكرنا بأنه لا يوجد في العالم مجتمع متقدم تقوده قيم وقناعات تنتمي للماضي.
على أن أهم ما يجب أن يتم قوله هو حرية الاختيار في قبول أو رفض حضور مثل هذه الفعاليات، والتذكير بأن الدخول للملاعب هو نفسه دخول أي تجمعات ترفيهية في الأسواق أو الميادين والقاعات تختلف في النشاط وطريقة التنظيم وتتفق في الهدف، وتحمى بذات التشريعات والضوابط".
الكاتب محمد العصيمي في مقال له في صحيفة "اليوم" حول الموضوع ذاته يشير إلى أمر مهم وهو: "من الآن وصاعداً لن يكون هناك من ينوب عن أحد في اختياراته لنفسه وأفراد أسرته، وأعتقد أن هذا من شأنه أن يعلي من قيمة التربية والثقة في النفس ويعزز دور النظام والتماسك الأسري أكثر".