ثقافة الفرح
طالبت رجال الأمن منح الشباب فرصة للتعبير عن حبهم لوطنهم، فكتبت: (أتمنى أن يسمح اليوم للشباب بالاحتفال طالما لا يعتدون على حريات غيرهم، ولا يتجاوزون في تصرفاتهم حدود الأخلاق العامة التي يعرفها الجميع)، ولكن الأخبار تقول إن عشرات الشباب قاموا بتجاوز حدود الأخلاق واعتدوا على الحريات وحطموا المطاعم .. فهل نجرد البقية من حقهم في الاحتفال، وهل تزر وازرة وزر أخرى؟
يتجاوز سكان الوطن 25 مليون نسمة، إذا فرضنا أن من قام بالشغب 250شاباً طائشاً على أبعد تقدير فهم يمثلون 1 ـ 100.000 وهي نسبة ضئيلة جداً بين شعب يفترض فيه التحضر. ولذا فإن المطالبة بقمع كل مظاهر الفرح في المناسبات المقبلة تعتبر مطالبة بوأد مشروع إعادة بناء ثقافة حب الوطن بين الشباب، بعد أن فشلت مناهج التربية الوطنية وعجزت وسائل الإعلام ومنابر المساجد.
إنني أنادي بأعلى صوتي عبر الجريدة الشبابية الأولى لأقول: إننا نواجه أزمة وطنية كبرى، تتمثل في ضعف الحس الوطني، وقبل أن يعتقد المسئول والقارئ أنني أبالغ في التعبير أعطيكم بعض الأمثلة:
الكثير منا يهرول في كل إجازة هرباً من الوطن إلى أي مكان في العالم بشكل لا يماثله هروب لأي شعب آخر على وجه الكرة الأرضية.
والكثير من جماهيرنا يفضلون أنديتهم على منتخب الوطن، بل إن عدداً كبيراً منهم يتباشرون بخسارة المنتخب ويعبرون جهاراً عن فرحهم بكل إخفاق لرياضة الوطن، وهو أمر آخر لم أشاهده من أي مواطن في العالم، فلا صوت يعلو على صوت الوطن في كل المجالات وفي مقدمتها الرياضة.
والكثير من أغنياء الوطن يبخلون على الوطن، فلا يتبرعون للجامعات ولا يتكفلون بالبعثات، بينما نعرف بتبرعاتهم لجامعات عربية وأجنبية، فغالبية أعضاء مجلس أمناء إحدى الجامعات غير السعودية تجار سعوديون تعتمد ميزانية الجامعة على تبرعاتهم السخية التي حرم منها الوطن الذي منحهم الثراء.
والكثير من موظفي أجهزة الوطن لا يخلصون في عملهم، فتتحرك عجلة التقدم ببطء شديد، كما تتحرك أكوام السيارات على جسر الملك فهد ببطء في الجانب السعودي مقارنة بحركتها السريعة في الجانب البحريني، بل إن بعض موظفي الدولة يخونون الأمانة فينتشر الفساد المالي والإداري فيضيع الوطن.
لدينا مشكلة كبرى يبدأ علاجها بإعادة تأهيل المواطن – صغيراً وكبيراً، ذكراً وأنثى – ليحب وطنه أكثر من حبه لبيته، وهو مشوار طويل يبدأ بموظف الجوازات وشرطي المرور ورجل الهيئة ويمر بالمدرسة والمسجد والإعلام وينتهي في عقول المواطنين. عندها لن تجد شاباً يحطم الوطن في يوم الوطن، ولن تجد الجماعات الإرهابية شباباً يفجرون أنفسهم لتدمير وطنهم .. وعلى منصات الوطنية نلتقي.