2010-08-18 | 18:00 مقالات

مات أستاذي

مشاركة الخبر      

طوى الجزيرةَ حتى جاءني خبرٌ
فزِعتُ فيهِ بآمالي إلى الكَذِبِ
حتى إذا لم يدعْ لي صِدقُهُ أملاً
شَرِقتُ بالدمعِ حتّى كادَ يَشرَقُ بي
ففي الخامس من شهر رمضان المبارك توالت رسائل المعزين على الجوال والإيميل في فقد رجل أدين له بالفضل لصقل شخصيتي في العمل والحياة، فإن كان هناك من شارك والدي بالتأثير على نظرتي للإدارة وعلاقتي بالوطن فهو "غازي القصيبي".
"غازي القصيبي" رجل أسطوري يستحق أكثر من مقال للإحاطة بمناقبه الكثيرة، فهو المواطن والأديب والإداري الذي يعمل ليل نهار ويبدع في جميع المناصب، ويجد الوقت للتأليف والمحاضرات وغيرها، ولعل إدارته للوقت كانت مثار إعجاب الجميع الذي يشكل التحدي الحقيقي لكل من يعتذر بمشاغله الكثيرة، وسيبقى "القصيبي" مثال القدرة الخارقة على تنظيم الوقت وإنجاز العمل.
"غازي القصيبي" المواطن الأكثر عشقاً لوطنه تسنم الكثير من المناصب التي جاءت له ولم يطلبها، وقد أبدع في كل منصب وأخلص العمل فيه لله ثم للمليك والوطن الذي لن ينسى أفضل وزير للصناعة والكهرباء والصحة والمياه والعمل، ولن تنسى لندن والمنامة أفضل السفراء في تاريخها. يكفيه فخراً أنه كان غنياً قبل أن يتسنم تلك المناصب وخرج منها ومن الدنيا وهو أقل غنى، في حين جرت العادة أن يثرى المسئولين وتتغير أحوالهم مع ارتقاء المناصب وتزايد الصلاحيات المالية والإدارية.
"غازي القصيبي" المثقف الأقدر على التفكير والحوار والإقناع، كان يبهرني برؤيته البعيدة الثاقبة في كل شؤون الحياة وشجونها، ممتع في حديثه مقنع في حجته، نقي في سريرته، كان مجلسه المفتوح في السفارة السعودية في لندن كل أربعاء صالوناً ثقافياً للسائح والمبتعث على حد سواء، تعلمنا في ذلك الملتقى الكثير حيث كبار المسئولين والأدباء يثرون ذلك الملتقى الأسبوعي إذا صادف تواجهم في مدينة الضباب.
"غازي القصيبي" الإداري الذي أتعب من جاء بعده من الإداريين، مدرسة مستقلة في الإدارة يمكن التعرف على منهجه بقراءة تحفته الأدبية "حياة في الإدارة"، حيث تحول علم الإدارة الجاف إلى متعة للعقل يروي لنا من خلالها سيرته الذاتية التي تمثل الإدارة جل ما في تلك السيرة العطرة من مناقب وإنجازات، حتى إنني قررت الكتاب مراراً على طلابي في الجامعة لثقتي من فوائده التي لا تحصى.
"غازي القصيبي" الشاعر الجزل الذي كان عشقه للمتنبي سبباً في تزايد إعجابي بالشاعرين المتشابهين في كثير من الصفات، وإن بدأت المقال بأبيات للمتنبي فاختمه بأبيات للقصيبي:
يا عالم الغيب ذنبي أنت تعرفه
وأنت تعلم إعلاني وإسراري
وأنت أدرى بإيمان مننت به
عليّ.. ماخدشته كل أوزاري
أحببت لقياك.. حسن الظن يشفع لي
أيرتجى العفو إلا عند غفار؟
رحمك الله يا أستاذي وأسكنك فسيح جناته.. وعلى منصات المغفرة نلتقي.