أولمبياد لندن.. الإنسان أولاً
أنصف البريطانيون الإنسان الذي صنع الآلة وأحيا الأرض، فكان حفل افتتاح الأولمبياد أمس في لندن في صف بني البشر، رصد تحولاته وتطوره وجعل من ذلك لوحات استعراضية أكثر قبولاً وهضماً، وأكثر قرباً للواقع ولما يجب أن تكون عليه مثل هذه اللوحات التي تستقطب مئات الملايين من المشاهدين، وتبقى في الذاكرة طويلاً وتحظى بالاهتمام والتحليل والتدبر وهو عكس ما درجت عليه مؤخراً الدول التي استضافت الأولمبياد أو المونديال، وكان آخرها بكين 2008 حين غلبت الجانب التقني في عرضها وبدت وكأنها تستعرض أو تتحدى غيرها من الدول في تجاوز هذه القدرة والدقة والإبهار، لولا أن العقل الذي أحسن التفكير قد تخلص من ذلك بالتغيير الكامل لتحاشي أية إمكانية للمقارنة وإن كان بالعودة إلى الجذور. تعود بنا الذاكرة إلى كيف أن عقود مضت كانت خلالها المناسبات الرياضية الهامة عنوانها حفل الافتتاح بنجاحه يتم الإقرار بنجاح المناسبة والاستضافة والتجاوز عن السلبيات، وبرغم البساطة التي كانت عليها العروض في تقديرنا لها فيما بعد إلا أنها كانت في حينها تعدّ من الليالي التي تبقى في الذاكرة وتؤثر في النفس طويلاً، ومن عايش مناسبات عاشتها منطقة الخليج فهو دون شك سيضع دورات الخليج في مقدمتها فلم يكن حين بدأت قد كان للعروض الافتتاحية شأن، إلا أن البحرين 1970 ثم السعودية 1972 والكويت 1974 شكلت ما يمكن أن يعتبر اللبنة الأولى لعروض تنامت وتنوعت وفاقت مرات كثيرة ما كان يقدم في مناطق وقارات أخرى، وهو ما يتبيّن أكثر في مناسبات ومحافل إقليمية وقارية ودولية استضافتها دول المنطقة فيما بعد. أكثر ما يمكن أن يهم الإنسان العادي الذي يرغب حضور هذه المناسبات ويهيئ نفسه وبعض أفراد عائلته لقضاء وقت ممتع وتسجيل حدث تاريخي، يبقى في ذاكرته هو الانضباط والدقة في التنظيم والمواعيد ويسر الحصول على بطاقات الدخول، والحصول على المقعد الخاص بتذكرة الدخول وقبلها الوصول إلى المكان الذي يقام فيه الحدث ومغادرته إلى سكنه بشكل آمن وبتوقيت يتناسب مع المنطق.. وإذا كان ذلك كله مما يجب أن يعتبر أولوية يجب الحصول عليها ولا يفترض أن يصل إلى أن يكون أمنية؛ فلابدّ أن العمل على إتمامه يحتاج إلى بيئة وجهات تنسيق وتكامل، لا أن يكون مسؤولية جهات التنظيم الداخلية المحصورة في الإستادات لاستقبال المتفرجين، والتي تعد الحلقة الأخيرة في منظومة عمل تنظيمي ينتهي في الإستادات لا أن يبدأ فيها. أتعاطف كثيراً مع المتفرجين الذين يحلمون بالحصول على تذاكر الدوري وأرقام المقاعد والحضور قبل وقت قصير من بدء المباريات ومغادرتها إلى منازلهم دون أن يكون ذلك على حساب ساعات طويلة من يومهم مصحوباً بمشقة البحث عن موقف سيارة آمن، وأكل وشرب صالحين، ودورة مياه كافية ونظيفة لكن مع ذلك، أود أن أتأكد من مدى العون الذي يقدمه هذا الشخص الذي يقول إنه عادي يحب النظام ويطالب ببيئة ملعب صالحة.. هل هو متأكد من أنه فعلاً يساهم في تحقيق ذلك وقادر على أن يكون فاعلاً ومؤثراً في عملية الضبط والانضباط التي يريدها لنفسه.