في رحيل سليمان العيسى
مرات قليلة جمعتني بالراحل سليمان العيسى، كنت في وكل واحدة منها أتعرف على جانب آخر من جوانب شخصية سليمان العيسى: الإنسان، المواطن، المثقف، الإعلامي.. واحدة منها كانت في منتصف الثمانينيات الميلادية في مكتب صحيفة "الجزيرة" بالطائف، انتهت بتناول طعام الغداء في منزل مدير المكتب الزميل حماد السالمي.. والأخرى حين هاتفني راغباً بنشر مقال يرثي فيه الفقيد الأمير عبدالرحمن بن سعود -رحمه الله-؛ وأخرى حين وقفت وإياه لنستمع ونتحدث على عجالة مع نائب وزير الثقافة والإعلام الأمير تركي بن سلطان في طريقنا للخروج من إحدى المناسبات الرسمية.. إلا أن الإعلامي سليمان العيسى ليس له حضور في وجدان كل الذين عرفوه عن قرب أو جايلوه فقط، بل في وجدان الوطن كلّه، بعد أن بات خلال أكثر من ثلاثة عقود ذاكرته التي تحفظ داخلها ما يمكن أن يسجل وقائع وأحداث عاشتها البلاد، وأن تجده في مفصل قرارات تاريخية وبيانات تشكل جزءاً من تاريخ رجال عظام وأحداث جسام يكاد يتقرب أن يكون شيئاً منها. سليمان العيسى الذي عشق المهنة ومارسها وطوّر أدواته وصقلها حتى خبر كل دروبها، ما كان له أن يحقق هذا الظهور الطاغي لولا أنه إضافةً على كل ذلك كان رجلاً موثوقاً ورزيناً أميناً، وهي الصفات التي يحتاجها الإعلامي الذي يتجاوز الشهرة التي تقربه من العامة إلى الألفة التي تضمن له أن يكون جزءاً، أو مكوناً في بناء شخصية أفراد المجتمع ومدى قربه أو بعده من هموم وطنه وتحديات التنمية أو غيرها من تحديات اقتصادية أو أمنية.. ومن هنا أخذت شخصية العيسى الإعلامية المؤثرة في وجدان المجتمع والمشكلة لمخيلته تتجذر مع تقادم السنين وتوالي وتنوع الأحداث لتزيد من رصيده، وتجعل من نبرة صوته التي ليست بالجميلة لكنها نافذة ومعبرة علامة جودة ومصداقية لا يضاهيها أحد غيره. لا أظن أن بيتاً سعودياً أو حتى فرداً منه لا يعرف سليمان العيسى أو لم يعرفه أو حتى لن يعرفه إذا ما افتقده واضطر ليسأل أين ذلك المذيع الذي يضبط بوصلة الشعب على اتجاهات الحزن والفرح، فيا ليت كل هذه الملايين التي عرفته أن تدعو له في هذا الموقف أن يرحمه الله ويغفر له ويسكنه فسيح جناته، وأن يلهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان، فهو نعم الرجل في وقاره وسماحته ومواقفه مع كلّ من قصده أو عرفه.. ونعم المواطن في ما قدمه من جهد وبذل وأداء للواجب.. فاللهم ارحمنا وارحمه وأجره وأجرنا في مصيبة فقده. رئيس التحرير