في الإنجاز و التقصير و الحسد
حتى وليام شكسبير عندما بدأ كان قد سبقه آخرون أكثر منه قدرة وإبداعاً وهذا حال كل شيء يولد صغيراً إنما العبرة في ما قد يصبح والأهم فيما سيخلف بعد رحيله، ولشكسبير أقوال تم جمعها اشتهر بعضها وفقد آخر، فهو يقول "إن أي مركز مرموق كمقام ملك ليس إثماً بحد ذاته إنما يغدو إثماً حين يقوم الشخص الذي يناط به ويحتله بسوء استعمال السلطة من غير مبالاة بحقوق وشعور الآخرين"، بينما نحن عكس ما يراه شكسبير إذ جل همنا المكانة ولماذا تبوأها فلان أو علان دون أن يكون همنا في كيف سيعمل وما الذي سيقدمه للآخرين من خلالها وهي أعراض حسد قطعت أوصال التعاون الذي يمكن أن يصنع الكثير وتتحقق به فرص إقامة العدالة الاجتماعية، وللحاسد عينان خلف رأسه خشية أن تطارده ضحاياه، وأخريين في هامته تقدحان شراً، ونفس غير مطمئنة دعت الفيلسوف والشاعر الألماني نيتشه إلى أن يوسم أحد مؤلفاته بسؤال مر وحاد )هل يستطيع الحسود أن يكون سعيداً حقاً؟( صدر سنة 1863 ، ولشكسبير الشاعر والممثل والكاتب المسرحي المتوفى 1616 قول ربما يقي عند اتباعه من الوقوع في شراك أصحاب النفوس المريضة بالحسد والغل، فهو يقول "إن الرجال الأخيار يجب ألا يصاحبوا إلا أمثالهم لكن من يضمن لنا أن من يرتدون الصوف ليسوا بذئاب وعالمنا يغرق في بحر من الدعاية المضللة ويكتظ بالمحسنات لكل قبيح، الكل يتوق لجعل صورته نظيفة ويدفع تجاه ذلك إضعاف ما كان سيكلفه لجعلها فعلاً نظيفة"، نيتشه يقول في ذلك "من منا لم يقدم يوماً ذاته قرباناً على مذبح الصيت الحسن" أو كأنه في تشبيه شكسبير لتحايل الفتاة بالقناعة من أجل التهام كل شيء حين قال "لا تطلب الفتاة من الدنيا إلا زوجاً فإذا جاء طلبت منه كل شيء، وحياتنا في كل زواياها مليئة بالأمثلة والنماذج التي تتطابق تماماً أو أقل مع ما قصداه أو حذرا منه وقبلهما معاوية بن أبي سفيان إذ قال "كل الناس أستطيع أن أرضيهم إلا حاسد نعمة فإنه لا يرضيه إلا زوالها". وحتى لا نركن إلى أن هناك حسدا وحاسد فقط فإن ذلك كله لا يمنع أو يقطع العمل والبذل والإنجاز وربما كان ذلك هو أحسن عمل يرد به على حسده وكيده، وأيضاً اصبر على كيد الحسود فإن صبرك قاتله فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله، وهذا البيت الأثير من الشعر يصطدم بواقع تزايد المعينين على التضامن مع الحسود واعتبار أن الحسد نوع من أنواع النقد الذي يعري به هذا الناقد الذي يعمل بدرجة حاسد أو الحاسد الذي يعمل بوظيفة ناقد، ومن ذلك فإن الصبر أحياناً يكون ظلماً على ظلم. أما أنا فأنصح أن تتظاهر بعدم الاكتراث للحاسد بل وتكثر عليه الطلب أن يظل إلى جوارك وتلح عليه بالبقاء بالقرب منك ولتحاول أن تدخل إلى قناعته أنه محب وأكثر منك حرصاً على نجاحك تماماً كما في مسرحية )ترويض النمرة( لشكسبير التي يقال إنها كانت تعبر عن المرأة بوجهيها الرقة والعنف، فقد كان للأب بنت جميلة وشرسة حد الجنون وكلما تقدم لها عريس جن جنونها وبدأت في تكسير الأثاث وكل ما يعترض طريقها فأضرت بذلك شقيقتيها اللتين تصغرانها سناً حيث لم يعد يتقدم أحد لخطبتهما، فاضطر الأب إلى أن ينشر إعلانا بأنه سيدفع مبلغا ضخما لمن تقبل به ابنته وتدعى كاثرين فسمع بذلك شاب معروف بحبه للمال وسمع عن جمال كاثرين فتقدم لخطبتها وكالعادة ثارت في وجهه فثار هو كالمجنون لكي تخاف وقام بحركات بهلوانية أدخل بها الرعب إلى قلبها ودخل لأبيها وقال إنها وافقت على الزواج وأنها لا يمكن أن تنطق بذلك فلسانها معقود من الرعب ووافق الأب واستمر الشاب بجنونه فحول المجنونة إلى مطيعة، وجردها من الرفاهية فأصبحت أرقهن وأكثرهن طاعة لأبيها فما كان من الأب إلا أن زاد ميراثها للضعف قائلاً إن كاثرين أصبحت امرأة جديدة بإرث جديد.. ويمكن أن نفعل ذلك بمرضى الحسد ليصبحوا أصدقاء أو معارف جدد بقلوب جديدة.