الشرائع ومتعة الإستادات
قبل أن تهبط الطائرة في أي مدينة تزورها للمرة الأولى أول ما تعرفه دون أي واسطة هي ملاعب المدينة، إذ لا يشبهها مبنى آخر ولا يختلف عن غيرها من الملاعب التي سبق وأن شاهدتها من على ذلك العلو في مدنٍ أخرى مهما اختلفت التفاصيل على الأرض.. فملاعب كرة القدم عالم خاص يختلف عن غيره من المنشآت والمرافق الأخرى مهما بلغت أهميتها السيادية. في أجواء إسطنبول ستلحظ إستاد شكري سراج أوغلو الخاص بنادي فناربخشة الذي تأسس سنة 1907م أي في زمن الإمبراطورية العثمانية، وبعد أن تربط أحزمة الهبوط في مطار هيثرو بلندن ستلحظ ويمبلي، ولو كنت في رحلة لمدينة ريو دي جانيرو سيظهر لك إستاد الماركانا، كذلك الحال عند وصولك إلى الرياض، حيث سيلفت انتباهك إستاد الملك فهد وهكذا لا يغادر بصرك ذلك الشكل البيضاوي الذي يحتضن مستطيلاً أخضر تظلله تصاميم متنوعة ومتعددة وتحيط به مرافق مساندة تجعل من تفرد هذه الأبنية رمزية لواقع يختلف عن غيره. أمس في مدينة الملك عبدالعزيز الرياضية بالشرائع لم يختلف الوضع كثيراً ربّما كان الأمر يحتاج إلى بعض من الجدية والانضباط في أداء بعض المهام الموكلة لأجهزة المرور والشرطة والبلدية والعاملين في المدينة.. وهؤلاء مرتبطون ارتباطاً مباشراً بمثل هذه التجمعات التي تتسبب في تكدس الأفراد واختناق السير وتواجد البائعين الجوالة، يعني أنه لو قدر لك أن تطل على المدينة من نافذة طائرة ستشاهد نفس المنظر المثير للإعجاب بالإستاد، ولن يخيل لك أنه ربّما سيصبح في حالة مزرية عند احتضانه لمباراة لا يحضرها أكثر من 20 ألف متفرج ستفترض أن هناك الكثير من الخطط الجاهزة لتفادي التكدس البشري أو للسيارات ولن يكرروا فعلتهم من يعرقلون حركة السير بعربات السندوشتات والعصائر وغيرها، وستكون أكشاك وشبابيك التذاكر أكثر ذكاءً في التعامل مع النسبة المتبقية ممن لم يحصلوا بعد على التذاكر، وهكذا أكثر من شيء تم تجريبه مرات عدة لا يمكن أن تتكرر أخطاؤه بما فيه المشجع الذي جاء بغرض الحصول على مقعد داخل الإستاد وهو يعلم أن التذاكر قد نفدت. رغم أنني كنت محظوظاً بزيارة الماركانا في ريو دي جانيرو إلا أنني ظللت محتفظاً بمعلومة مغلوطة وهي أنه أكبر إستادات العالم من حيث السعة لأن تقريراً اطلعت عليه بالصدفة يقول: إن (رونجرادو) في كوريا الشمالية يتسع لـ150 ألف، بينما كان الماركانا يتسع لـ78 ألفاً حين شهد منافسات مونديال 1950م، وأن برج العرب في مصر هو الإستاد العربي الوحيد الذي دخل في قائمة العشر إستادات كروية سعةً، وفي الترتيب العاشر بواقع 86 ألف متفرج. هذه الإستادات العشرة بينها فقط (ويمبلي) و(كامب نو) دون إستادات أوروبية أخرى حيث توزعت بين الهند والمكسيك وإيران وماليزيا وجنوب إفريقيا وأستراليا.. وبالطبع فإن السعة تختلف عن الفخامة أو الرفاهية، ونحن هنا نعود إلى مدينة الملك عبدالعزيز -أمس- إذ كان من الأهم أن يعي المتفرج الراغب في الحضور قبل المسؤول في المدينة سعة الإستاد والإمكانات المتوفرة فيه وله، وطبيعة الجماهير التي تزحف إليه، ومن المعادلة يمكن أن ينتج ما الذي سيحدث. قبل أن يصل المتفرج إلى الإستاد هناك جهات مختصة مسؤولة عن تأمين وصوله من حيث الزمن والسلامة، وأخرى قبل وعند دخوله ثم بعد ذلك، وفي كل تلك الحالات فإن التصرفات التي يمكن أن يقوم به كل فرد خلال تلك المرحلة ستنعكس سلباً أو إيجاباً على رحلة آمنة ومشاهدة ممتعة.. القصد أن المتفرج عنصر مهم وربّما أهم من بقية العناصر في بسط الأمن وتحقيق كل المتطلبات الضرورية؛ علينا أن نشجعه دائماً للقيام بدوره أولاً ليساعد أو ليجبر بقية الأطراف للقيام بمهامها.