أن تكون وطنياً
الاختلاف أن الوطنية عندهم تهمة، أما عندنا فهي شرف.. قالها لي زميل مهنة ذات موقف حين أيقن أنه لا أمل في الرؤوس الفارغة أن تدرك أن الوطن الذي يتسع صدره لكل خطاياهم ويضيقون هم بما يلصق به من أخطاء لم يفعلها إنما فعلوها هم أو غيرهم ممن يعيشون على هذه الأرض ويتوهمون أنها رخوة أو هي تميد. الوطنية، هذه الكلمة التي امتهنت وكثر اللغط حولها وأيضاً تمت المتاجرة بها، هي في ذاتها ليست المقصودة بقدر أنها توصيف لحالة واضحة وصريحة من الاشتقاق حتى وضعها في سطر العبارة وداخل متن الكلام. يسألني: من أحق أن يكون باراً لوطنه، الذي يبني ويصلح أم ذاك الذي يهدم ويفسد؟ قلت: الأمر واضح لولا أن هناك من خلق منطقة وسط اجتذب لها من في نفسه هوى أو غرر بها جاهل متحمس، منطقة تتميز بالمراوحة وتكثر فيها كلمة (لكن) وتعطي صكوك المواطنة الشريفة لكل زاعق متعجل هو للإرجاف والتخذيل أقرب، ولكون هذه المنطقة تقع في المنحدر فإن الانزلاق لها أسهل وفرضية تحقيق المكاسب أيسر من خلع الألقاب مثل الحر والمستقل والجريء والصالح إلى قطاع غير هين من المريدين والمتعاطفين، وهي مكاسب تسببت في ترك البعض لقناعاته وركوب موجة تيار الإصلاح بأدوات وآليات فاسدة ومقاصد مشبوهة. الوطنية التي يشوهونها إما بابتذالها وتسطيحها أو بتغيير شروطها وقواعدها كان يفترض أن تكون ببساطة أن الوطن أكبر من أن يختصر في موقف أو حادثة، أو أن يختزل في شخص أو مكان، وأوسع من أن يضيق بأحد من أهله وناسه، وأن ذلك يعني أنه بناء عاطفي ووجداني يتعاظم في دواخلنا عندما يساء له أو نستشعر أنه في خطر، أو تحل ذكرى مجيدة كهذا اليوم هو فيها محل الروح في الجسد. أن تكون وطنياً يعني أنك رضيت أن تكون جزءاً من كل له حق على هذا الوطن وعليه واجبات تجاهه، وإنك أقرب من ذاك الذي ادعى أن الوطنية ملمح من تدجين أو شكل من انقياد وتزلف، لأنه يرى أن الأصل اعتراض ومزايدة ومغالبة دون أن يفعل أكثر من ذلك. حين تتأمل 83 عاماً من الاندماج ووحدة الخطوة يتأكد لك أولاً أنه لولا توفيق الله للمؤسس العظيم الملك عبدالعزيز ـ طيب الله ثراه ـ أن مضى في هذا الخيار لكنت أمام مشهد مختلف جداً في شبه الجزيرة العربية اجتماعياً وسياسياً وطبعاً جغرافياً، لكن هذه الوحدة الفريدة لم تكن ستتم لولا خصال قائدها الفذ الإيمانية والسلوكية، فكان لصفاء العقيدة والإخلاص في النية دور، وللحنكة والشجاعة والخلق السوي دور مكمل جعل منه خياراً تتفق عليه أفئدة الأمة وترضاه ملكاً يحقق العدل والسلام ويفي بوعده حامياً للدين والنفس والعرض والمال وبانياً لمجتمعه ولإنسانه وأرضه.. عبدالعزيز يأيها الجيل كان يداً بيد مع رجاله من أجدادكم من كل بقعة من بقاع هذه الأرض المباركة لاهم لهم إلا نصرة الدين وحفظ كرامة الناس وتوفير الأمن والعيش الكريم، والوطنية أن نظل أوفياء لهم بالمحافظة على الكيان، والوطني هو من يعمل ما أمكنه ذلك لتحقيق ما كانوا يتطلعون أن يتحقق له.. أما غير ذلك فلا تصدقونه.