نواف بن سعد.. التأسيس الثالث
هلال الرياض، البدر الذي كل ما اكتمل ظهر على صورته، وقصة هذا الهلال الذي أتعب خصومه فيها الكثير مما يستوجب الوقوف عنده، لمن أراد أن يعرف حقيقة الهلال، كيف له هذا البهاء المبهج والحضور الطاغي، ومن أين له هذا البأس والشدة، ولماذا دائمًا يعيش حالة زهو وكبرياء.
طبيعة نشأة الهلال من حيث الفترة الزمنية والبيئة الاجتماعية، لا تختلف كثيراً عن غيره من الأندية، خاصة التي تأسست في ذات العقد من الزمن "الخمسينيات الميلادية"، إلا أنه ـ وهذه قراءة خاصة ـ كان للأشخاص الذين ساهموا في تأسيسه مع الشيخ عبد الرحمن بن سعيد ـ رحمه الله ـ الأثر في تكوين شخصية النادي المنفتحة وخلفيته الاجتماعية المتنوعة، التي جعلته يبني جسورًا متعددة مع شرائح وطبقات وثقافات وكوادر، منعت أن يتم الاستحواذ عليه أو ابتلاعه، أو أن يكون أحادي الفكر أو مركزي الإدارة.
عادة تبقى التقاليد المتوارثة أكثر سطوة من الدساتير المكتوبة، وقد درجت إدارات الهلال على تبادل الكرسي دون عقبات تذكر، ولم يحتج الأمر في الجمعيات العمومية إلى أمن قراءة الحسابات الختامية، ومن ثم إعلان الاسم المرشح وليس المترشح؛ ليفوز بالتزكيه بمنصب الرئيس، ويشكل إدارته ويستكمل المهمة لا أن يبدأها، هذا أيضًا قد يحدث في أندية أخرى، إلا أن الفارق هو في المناخ الذي جرت فيه الحالتان، وما إذا كان تضامنًا ومساندة أم تخليًا وإيقاعًا في الفخ؟
ستون عامًا يكملها الهلال ولم يشخ فكر مدبريه؛ لأنهم ينهلون من نهر متجدد منبعه ضارب في أعماق عشاقه المليونيين، وامتداده يعبر بأجيال متلاحقة إلى حيث يجدون أنفسهم يضعون حجرًا في بنائه، ويكتبون صفحة في تاريخه لترسم شجرة رجاله أغصانًا تتشابك وأوراقًا مشبعة بالندى معطرة برائحة نفل وخزامى، نجد الزكية ومطرزة بأسماء رجال كل له منهم في هلاله نصيب من الحب والوفاء والبذل والإنجاز.
أقمار الهلال تتناوب في سماء كيانه الضخم، ترسل أنوارها فلا تنطفئ، تتساند في أن يظل مشعًّا ولكن في معادلة صعبة ـ الوفاء للرجال دون البقاء في أسرهم ـ لكن ذلك لا يمنعنا من أن نرى في رجل المرحلة الأمير نواف بن سعد ولو لبرهة من الزمن كل الهلال لا بعضه، وبالتالي قمره وبدره الذي ينقله وينتقل معه إلى آفاق جديدة أشبه بمرحلة تأسيس ثالثة تعقب الراحلين ابن سعيد والأمير عبد الله بن سعد، هذا ليس كلامًا إنشائيًّا فرضته الحالة التي يعيشها الهلال هذا الموسم، لكنه واقع ستؤكده الأيام.
لم يعد العمل الإداري في الأندية، كما كان، أشبه بإدارة مصارف قروض حسنة، أجره إرضاء الجماهير العاشقة وضريبته نزف الجهد وإضاعة الوقت والمال، فقد دخلت حوكمة العمل الإداري والمالي والاستثمار لتضغط على إدارات الأندية التي بدت مطالبة بالسباحة وهي موثقة اليدين، وقطارها يتجه دون خريطة إلى الخصخصة واللوائح والأنظمة والقوانين، خليط شائك بين حفظ الحقوق وضياعها والفضاءات المفتوحة لم تعد تترك شاردة أو واردة، إلا دست أنفها فيها.. هذه مرحلة كان لزامًا أن نعتبر من يسبح في بحرها بمهارة وجسارة نواف بن سعد صانع مرحلة جديدة، قراءاتها كذلك؛ حفظًا لحقوق الرجل، أما البطولات التي ساهم في إنجازها، فقد دخلت من لحظتها في ملكية الكيان، في انتظار ما بعدها!