حكام أم موظفون؟
"أكبرمنك بيوم أعلم منك بسنة"
قد لايكون هذا المثل دقيقا في مضمونه لكنه صحيح وواقعي من حيث المفهوم والدلالة، فالخبرة مهما كانت محدوديتها تلعب دورا هاما في صناعة القرار واتخاذه ناهيك عن تراكم الخبرات خاصة إذا كانت مدعومة بالثقافة في ذات المجال مما ينعكس بدوره على صحة القرار وسلامته.
وثمة مجالات يصبح الأمر فيها أكثرحاجة لأصحاب الخبرة مثل أساتذة الجامعات والأطباء والمستشارين القانونيين وسلك القضاء خاصة الأخيرة، إذ إن الإنسان كلما تقدم به العمركلما أصبح أكثرحكمة وعقلانية وأقرب إلى الله (في مجتمعنا) ويحسب خطواته وقراراته على أن كل ماسبق مرتبط ارتباطا وثيقا بقدرات الشخص العقلية والصحية وكفاءته لممارسة هذه المهنة أوتلك وهوأمرمفروغ منه.
في كل دول العالم هناك سن محددة للتقاعد الإجباري أوكما يقال (قوة النظام) وبعضها يمتد خاصة في مهن معينة، فيما يتم تحديد سن التقاعد لدينا ببلوغ الموظف 60 سنة يتساوى في ذلك أصحاب الوظائف العادية أوذات التأثيرالكبيرفي المجتمع أوفي ذات الدائرة عدا الوزراء ومن في حكمهم وهذا شأن آخر، وبعد تقاعد هؤلاء يتم التعقاعد مع بعضهم في ذات الجهة للعمل كمستشارين ممايؤكد القناعة بكفاءتهم ومدى الحاجة إليهم.
لنترك القطاع العام والحكومة جانبا فما هذه إلا مقارنة لابد منها، وندخل إلى موضوعنا المرتبط بالقضاة وهم الحكام أوقضاة الملاعب كما يسمونهم، ولا أعني هنا حكام كرة القدم ولكن مختلف الألعاب فهم يشبهون القضاة الشرعيين فيما يزاولونه من مهنة وإن اختلفت الأطراف ونوعية القضاء.
ويبدوأن المؤسسة الرياضية لدينا أخذت نظام الخدمة المدنية وطبقته على الحكام رغم اختلاف الوضع، فالحكم ليس موظفا مدنيا ولكنه متعاون أشبه مايكون بمستشاروالتحكيم يحتاج إلى الخبرة أكثرمن حاجته للأمورالأخرى ومع ذلك تتم إحالة هؤلاء للتقاعد وهم أساسا غيرموظفين.
نعرف أنه في كرة القدم تم تحديد التقاعد للحكم الدولي عند سن 48 وهذا أمرطبيعي إذ يتطلب الأمرمنه أن يجري في المباراة الواحدة 15 كم تقريبا وهذا يحتاج إلى لياقة عالية قد لاتتوفر في من تتقدم به السن، والحال كذلك في بعض الألعاب مثل كرة السلة أواليد وإن اختلف المجهود، لكن ثمة ألعاب لايبذل فيها الحكم مجهودا بدنيا عاليا مثل الكرة الطائرة والألعاب الفردية الأخرى في عمومها ودون تحديد.
هذه الألعاب لماذا يتم إجبارالحكم على التقاعد عند بلوغه الـ 60 طالما أنه قادرعلى إدارة المباراة بكفاءة وقتدار؟ وهوالأمرالذي تسيرعليه كثيرمن الاتحادات الأهلية العالمية والدولية إن لم يكن جميعها.
لماذا نتعامل مع هؤلاء الحكام كموظفين ونطبق عليهم لائحة الخدمة المدنية وهم أساساً غيرذلك بل ومتعاونون؟
ولماذا لانستفيد من خبراتهم خاصة المؤهلون منهم وأصحاب الكفاءة، بحيث يتم إخضاع هؤلاء لكشف صحي دوري مع بداية كل موسم لإثبات لياقتهم الصحية التي تؤهلهم لعمل كهذا ولا أقول لياقتهم البدنية التي تتطلب منهم الجري والركض في الميدان وإنما التي تتطلب الحضورالذهني في المباراة.
أذكرسابقا كان الحكم يشارك في لعبة جماعية ولعبتين فرديتين ثم تم قصرالتحكيم على لعبة واحدة وكان عدد المباريات خلال الموسم قليلة، أما الآن وقد اتسعت قاعدة الألعاب وزاد عدد المباريات وزادت حساسيتها وتنوعت المسابقات أصبحنا بحاجة أكثرللحكام المؤهلين لإدارة هذه المباريات وبالتالي ضرورة إعادة النظرفي سن التقاعد للحكام.
والله من وراء القصد.