“الدقائق الخمس”.. وأكرم صالح
إذا قيل "مباراة الدقائق الخمس" عاد الإنجليز بذاكرتهم إلى نهائي كأس 1979 الشهير بين مانشستر والآرسنال، حيث كانت الأمور تسير بصورة طبيعية لتتويج الآرسنال الذي كان متقدماً بهدفين حتى د86 من المباراة عندما سجل قولدن ماكوين هدف مانشستر الأول أتبعه سامي ماكلوري بعده بدقيقتين بهدف التعادل عندها صاح معلق المباراة المرحوم أكرم صالح (لا تلوموني لا تلوموني أنا مانشستراوي اللي يحدث شيء مش معؤوووول). كانت المباراة تتجه للوقت الإضافي هكذا أيقن الجميع خاصة لاعبي مانشستر حتى فاجأهم آلن ساندرلاند بهدف الآرسنال الثالث والحكم يستعد لإطلاق صافرة النهاية وهذا ما تحدثت عنه في زاوية سابقة حول الدقائق الأخيرة عندما يتجه تفكير اللاعب خارج المباراة فيفقد التركيز وهي الحالة التي كان عليها لاعبو الآرسنال أولاً ثم مانشستر ثانياً. شكل أكرم مع رفيق دربه موسى بشوتي -رحمهما الله- ثنائياً متفاهماً ومتميزاً في فترة السبعينيات عندما كانت الـ B.B.C هيئة الإذاعة البريطانية تأسر المتابع العربي إلى برامجها المنوعة ثقافياً وسياسياً ورياضياً بأصوات مذيعيها المتميزة ودقات بيج بن. كنا في ذلك الوقت طلاباً في نهاية المرحلة الثانوية ثم الجامعية نحرص على متابعة الأحداث الرياضية العالمية عبر موسى وأكرم من خلال هذه الإذاعة، ولم يدر بخلدي أنني سألتقيه ذات يوم إذ لا مجال للتفكير في هذا الأمر. في 1980 قدم أكرم إلى المملكة كخبير رياضي في خطوة تحسب للأمير الراحل فيصل بن فهد حيث كان لحضوره دور كبير في تطوير التعليق الرياضي وتغير نمطه من حيث المعلومة وكيف ومتى يتم توظيفها وكانت له تعابيره الخالدة (غابة من السيقان) كناية عن تواجد اللاعبين المكثف في منطقة الجزاء (يغزل طريقه بين المهاجمين) أو( يبيعه) كناية عن تخطي المدافع خاصة يوسف الثنيان الذي كان معجباً به وبالنعيمة وماجد عبدالله الذي أطلق عليه لقب (جلاد حراس المرمى) و(عنده رئة ثالثة) كناية عن اللياقة العالية و(هيدا اللاعب إبن خالتو لريفالينو) وغيرها من التعابير. تعرفت على أكرم في بداية الثمانينيات حيث كنا نلتقي في التلفزيون نشارك في برنامج الرياضة الأسبوعي وكنا نجلس سوياً في الحديقة الخلفية لفندق الخزامى بعد صلاة العشاء بصورة شبه دائمة، حيث لم تعرف الرياض المقاهي بعد، نتجاذب أطراف الحديث إذ يتمتع بملكة عجيبة ويأسرك بحديثه. عندما ترأست تحرير مجلة الشباب 1981 طلبت منه أن يكتب لنا زاوية شهرية قال: عبدالله أنا كسول ما بحسن أكتب، وبعد إلحاح قال لا أعرف معنى عمود أوزاوية، قل لي كم كلمة أو كم يستغرق من الزمن لقراءته أنا متعود على الإذاعة، ثم أصبح يكتب زاوية أسبوعية في مجلة اليمامة تحت عنوان "العين الثالثة". كان الأستاذ منصور الخضيري مدير الإعلام والنشر آنذاك من المقربين إليه وصديق آخر لنا من خارج الوسط الإعلامي هو زياد الزهيري ومن المعلقين كان سلطان العبدالله الذي رافقه إلى الأورجواي للتعليق على كأس العالم المصغرة 1980. ذات يوم كنت معه في التلفزيون لتسجيل البرنامج، فقال لي وبدون مقدمات كعادته: عبدالله أنا حاس إني بموت بالقلب. قلت: بعد عمر طويل أبا الوليد فقال: أبوي مات بالقلب وأخي دريد، وأنا حاسس إني مثلهم. بعدها بأيام دخل المستشفى التخصصي لإجراء عملية قسطرة توفي بعدها وتم دفنه في مقبرة العود. رحم الله أكرم صالح وأسكنه فسيح جناته، فقد كان مدرسة في التعليق والخلق والتسامح وطيبة القلب. والله من وراء القصد،،،