تركي بن سلطان“كل نفس ذائقة الموت”
والحمد لله على كل حال، فنحن أمة مؤمنة بقضاء الله وقدره، لكن رسولنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ استعاذ من موت الفجاءة. وفي ظل الإعلام الجديد وقنوات التواصل لم يعد هناك مجال للتروي والتمهيد للخبر أو حتى مجرد التأكد من صحته. في وقت مبكر جداً من صبيحة الثلاثاء وصلني عبر (الواتس أب) نبأ وفاة الأمير تركي بن سلطان نائب وزير الثقافة والإعلام والمشرف على القنوات الرياضية السعودية مختصراً وخالياً من الألقاب والمناصب، ما جعلني في تردد حول مدى صحته من هوله ومفاجأته، إذ ربما كان هناك تشابه أو خلط فيما بين الأسماء أو إشاعة وما أكثرها هذه الأيام لكن الإعلان الرسمي عنه بدد كل حيرة.
مات "تركي بن سلطان" ففقدت القنوات الرياضية السعودية "الأب الروحي"، وفقد الإعلام السعودي أحد صناعه في العصر الحديث، وفقد المجتمع الرياضي أحد رموز المثالية فيه ونابذي التعصب.
سأتجاوز ما تناوله كثيرون عن سموه إلى ما لم يتم التطرق إليه ومن خلاله تتكشف جوانب أخرى من شخصيته:
ـ في أولمبياد لوس أنجلوس1984 التقيته لأول مرة وكان سموه (رحمه الله) رئيساً لوفد الإعلام الخارجي للدورة، ورغم محدودية خبرته الإدارية والعملية آنذاك لكنه كان رجل قرار، حيث أشرف على إعداد وتجهيز المركز الإعلامي للوفد السعودي في الأولمبياد وتم استئجار مقر خاص له في إحدى مناطق لوس أنجلوس وتأثيثه بالمكاتب والفاكس والهواتف المباشرة ودعا الوفد لزيارته وقال إنه تحت تصرفكم، وبعد الزيارة تحدثت مع سموه وشرحت له تأخرنا في متابعة الأولمبياد وإمكانية فتح المكتب في وقت متأخر من الليل فاستدعى المسؤول عن حراسته (أمريكي) وقال له مشيرا إلى "هذا الشخص إذا أتى في أي وقت على مدى 24 ساعة افتح له"وفعلا كان ذلك وتلك قصة أخرى سأرويها في وقت آخر. ـ في 1986 كنت مشرفاً على الشؤون الرياضية بجريدة (الرياض) ونشرنا مقالاً لكاتب باسم مستعار ينتقد الهلال وسياسته الإدارية والمالية عقب بطولة الأندية الخليجية التي نظمها وفاز بها مما أغضب الإدارة وبعض أعضاء الشرف الذين قرروا في اجتماع حضره سموه رفع قضية وشكوى إلى وزارة الإعلام وطلبوا منه دعمها بصفته عضو شرف ومستشارا إعلاميا في الوزارة ومعرفة اسم الكاتب، لكن حنكة سموه رغم حداثة تجربته أيضا رفضت ذلك وقال (هذا رأيهم ومن حقكم الرد وتوضيح الحقيقة).
ـ الخطاب الذي رفعه سموه لوزير الإعلام وتم تداوله عقب وفاته في مواقع التواصل الاحتماعي يطلب فيه إجازة رسمية 19 يوماً تبدأ السبت القادم توقفت عنده طويلا بعد أن تأكدت من صحته:
ـ أن الإنسان في هذه الدنيا يحدوه طول الأمل (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت) ولله في ذلك حكمة.
ـ خلق سموه وتربيته وإيمانه بالتسلسل الوظيفي واحترام الأنظمة والعلاقة بين المرؤوس والرئيس رغم مكانته الاجتماعية وهو الخطاب الذي مر عليه البعض مرور الكرام كحدث وتعامل معه آخرون بسلبية متناهية وللأسف وخرجوا به عن مساره الحقيقي دون فهم لمضامينه وما احتواه من رسالة يمكن أن تخرج من خلاله إلى المجتمع.
رحم الله تركي بن سلطان، وعفا عنه، وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
والله من وراء القصد،،