النادي الملكي.. صراع الألقاب
يبدو أننا أمة مجبولة على حب الألقاب وتعظيم الذات.. والتاريخ خير شاهد. واللقب في حد ذاته ليس عيباً، بل إنه يضيف لصاحبه ويعطيه نوعاً من التميز خاصة إذا كان جديراً به وجاءه ممن يملك حق المنح، وبالتالي يتفرد بهذا اللقب ويصبح حقاً من حقه لا ينازعه عليه أحد ويحترم الآخرون هذا الحق.. وكثيراً ما يطغى اللقب على الاسم الحقيقي أو يكون ملازماً له. وفي تأريخنا الإسلامي قلة هم الذين يعرفون عبدالله بن أبي قحافة لكنهم يعرفون أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- حيث طغى اللقب على الاسم.. وهناك أيضاً سيف الله المسلول (خالد بن الوليد) وأمين هذه الأمة (أبوعبيدة عامر بن الجراح)؛ وكلها ألقاب منحها نبي هذه الأمة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- لبعض من أصحابه. واشتهر كثيرون على مدى التأريخ بألقابهم التي عادة ما تنبع من صفة أو حدث أو ما إلى ذلك، سواء كأفراد أو كيانات وفي كل المجالات العسكرية والفنية والرياضية.. وغيرها ما يهمنا هنا هو المجال الرياضي، حيث عرفنا بيليه ومن النادر من يعرف اسمه الحقيقي أويناديه به. وعلى مستوى الكيانات الشياطين الحمر والسيدة العجوز والنادي الملكي ومنتخب السامبا.. وغيرها. ونحن هنا لسنا بعزل عن هذا العالم، فمنذ بدايات الكرة لدينا ظهرت العديد من الألقاب بعضها لم يستمر والبعض الآخر ظل خالداً إلى يومنا هذا.. مثل حارس الكأسين (عبدالله سوا) والغراب (سعيد مذكور الغامدي) والنمنم (عبدالله يحيى) والكبش (سليمان مطر) والصاروخ (محمد المغنم) والكوبرا (محيسن الجمعان)، وهو لقب أطلقته عليه الصحافة السنغافورية في أمم آسيا 1984 والسهم الملتهب (ماجد عبدالله) والفيلسوف (يوسف الثنيان).. وغيرهم. وعلى مستوى الكيانات مدرسة الوسطى الكروية (أهلي الرياض الذي تحول فيما بعد إلى نادي اليمامة ثم نادي الرياض) وفارس الدهناء (الاتفاق). وفي السنوات الأخيرة ظهرت بعض الألقاب التي ظلت مرتبطة بأنديتها وملازمة لها ومن أبرزها:
ـ فارس نجد والعالمي
أطلق محبو النصر على فريقهم لقب (فارس نجد) قبل ما يقارب 30 عاماً ورغم تحفظ البعض عليه كونه لا يمثل منطقة نجد لوحده في نظرهم إلا أن هذا لم يمنع ارتباط اللقب به وأحقيته بذلك. وبعد وصوله لبطولة العالم للأندية أطلق عليه محبوه لقبل (العالمي) وبغض النظر عن موقف البعض ونظرتهم لهذه البطولة، إلا أن هذا لا يمنع أحقية النصر باللقب وارتباطه به حتى لو وصلت أندية أخرى مهما بلغ عددها إلى هذه البطولة يظل اللقب (ماركة مسجلة) باسم النصر على اعتبار الأسبقية والأحقية.
ـ قلعة الكؤوس
من أقدم الألقاب في عصرنا الكروي الحديث وقد تم منحه للنادي الأهلي من قبل الصحافة بعد سيطرته على كأس الملك في فترة التسعينيات الهجرية السبعينيات الميلادية من القرن الماضي حيث وصل النهائي 9 مرات متتالية فاز بـ 7 منها منذ نهائي 89هـ ـ 79م وحتى نهائي 99هـ ـ 79م (لم تقم المسابقة عامي 72 و75م). وظل اللقب ملازماً للأهلي وجديراً به حتى لوفاز غيره.. لكن الأهلاويين في الفترة الأخيرة بدأوا التنقل بين الألقاب سفير الوطن.. الراقي ثم الملكي.
ـ العميد
نادي الاتحاد ولا أحد ينازعه عليه فهو عميد الأندية السعودية وأقدمها وقد التصق الاسم به ولازمه وهو جدير به رغم محاولة بعض المنتمين إليه تسميته بالمونديالي بعد تأهله لبطولة أندية العالم.. ونادي الوطن.. إلا أياً من هذين اللقبين لم يلازمه كما هو (العميد).
ـ الزعيم
كما هو العميد بالنسبة للاتحاد، فالزعيم هو الهلال بناءً على سيطرته على الألقاب وفوزه بالبطولات سواء على مستوى المملكة أو على الصعيد الخارجي والآسيوي بالذات.. ومهما حاول البعض التقليل من قيمة اللقب وقصره على المحلية إلا أن ذلك لم يؤثر عليه ولم يسلبه جدارته وأحقته باللقب.
ـ الشيخ والليث
(شيخ الأندية) لقب أطلقه الإعلام على نادي الشباب لقدمه وتاريخه وهو عميد أندية الوسطى ثم أطلقوا عليه لقب (الليث الأبيض) أو (الليث) وشخصياً أرى أن (الشيخ) أو (شيخ الأندية) أكثر جاذبية ورقياً ويعني الوقار والشموخ.
النادي الملكي
وإذا كانت تلك الألقاب متفق عليها فإن الساحة الرياضية بدأت تشهد صراعاً على لقب (النادي الملكي) ومن هو الأجدر به أو الأحق بين عدد من المنتمين لبعض الأندية خاصة بعد أن أعلن الهلاليون أنهم أصحاب هذا اللقب مستندين في ذلك على وثيقة رسمية وأمر ملكي من الملك سعود -يرحمه الله- بتسمية ناديهم بـ(الهلال)، حيث بدأ البعض بالبحث عن مسوغات تجيز له الحصول على هذا اللقب وأنه الأحق سواء من حيث بطولات كأس الملك أو الأسبقية أو أعضاء الشرف ودخل الهلاليون طرفاً في هذا وسعوا لتوظيف فوزهم بكأس الملك عبدالعزيز وتفردهم به كعامل دعم لأحقيتهم باللقب.
والحقيقة..
أنني لم أشأ الدخول في هذه المناقشات أو أكون طرفاً فيها حتى قرأت ما قاله الزميل الأستاذ محمد القدادي في هذه الجريدة يوم الجمعة قبل الماضي 25 مايو وهو من المهتمين بالتأريخ الرياضي ويعتد برأيهم، وأحترم رأيه وفكره مؤكداً أن طرحي هنا لا أهدف من خلاله تغليب رأي أو تبني وجهة نظر دون أخرى بقدر ما هو مناقشة لطرح الزميل تاركاً الحكم للقارئ الكريم.
يقول الزميل القدادي في معرض حديثه: أن النادي الأهلي هو الأحق بلقب الملكي مستنداً في ذلك على نقطتين هامتين: - أن جماهير الأهلي أطلقت هذا اللقب على ناديها قبل 30 عاماً لأنه تسلم الكأس من أيدي جميع ملوك المملكة العربية السعودية وهو أمر لم ولن يحدث لأي نادٍ آخر.. - وأنه النادي الوحيد الذي ترأس مجلس أعضاء الشرف ومجلس الإدارة أبناء ملوك من الأسرة المالكة. ويستبعد الهلال من اللقب من خلال الأمر الملكي مستشهدا بأن تغيير شعار النصر من علامة النصر V (المشتقة من Victory) إلى الجزيرة العربية وتغيير اسم نادي النسر من سيهات إلى الخليج كان أيضا بأمر من الملك فيصل -رحمه الله-. وليسمح لي الزميل محمد بنقاش هادئ حول هذه النقاط:
ـ المقصود بالملكي..
أولاً: ما يتعلق بإطلاق جماهير النادي الأهلي اللقب على ناديها قبل 30 عاماً لأنه استلم الكأس من أيدي جميع الملوك ولأنه لم ولن يحدث لأي نادٍ آخر.. هذه المعلومة عليها تحفظ وغير صحيحة، بل إنها لم ولن تحدث من خلال هذا التساؤل. هل المقصود من أيدي جميع الملوك أم في عهد جميع الملوك؟.. إن كانت من (أيدي) جميع الملوك فالنادي الأهلي عندما فاز به للمرة الأولى عام 82هـ ـ62م لم يتسلمه من يد الملك سعود وإنما من يد الأمير فيصل ولي العهد آنذاك وهي حالة تنطبق على كثير من الأندية عندما يرعى المباراة النهائية نائباً عن الملك. وقد سبقه الهلال عام 81هـ ـ61م عندما فاز بكأس الملك لأول مرة فاستلمه من يد وزير المعارف آنذاك الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ. وأول نادٍ يستلم الكأس من يد الملك هو نادي الاتحاد عندما فاز به عام 83هـ ـ63م أمام الهلال واستلمه من يد الملك سعود -يرحمه الله-. وإذا كان المقصود في عهد ملك فهذه أيضاً ليست صحيحة لأنه في تلك الفترة التاريخية قبل 30 عاماً التي يتحدث عنها الزميل محمد كان الهلال يتساوى مع الأهلي في هذه الناحية وليس في العدد فكلاهما فاز به في عهد الملوك سعود وفيصل وخالد. وبوفاة الملك سعود وعدم فوز الاتحاد بكأس في عهد الملك خالد فلن يستلم ناد الكأس من يد ملك.. كما أن لفظ (لن) غير مقبول لأنه حكم على المستقبل وهو ما لا يقبل منطقاً ولا من الناحية الشرعية لأنه قابل للتغيير. ويظل الأهلي النادي الوحيد حتى الآن الذي فاز بكأس الملك في عهد جميع الملوك، لكن هذا لا يمنع إمكانية فوز فريق آخر به. وجاء التعديل على مسميات المسابقات المحلية ليؤثر على فوز بعض الفرق بكأس الملك (والعبرة هنا بالمسمى وليس بشكل وطريقة المسابقة) فكأس ولي العهد حالياً ومنذ 22 عاماً هو ما كان يسمى سابقاً بكأس الملك.. والدوري أصبح يسمى بكأس خادم الحرمين الشريفين إبان فترة المربع الذهبي وقبل خمس سنوات عاد الدوري إلى طبيعته وتم استحداث مسابقة جديدة باسم كأس الملك للأندية الأبطال.
ثانياً:
ما يتعلق برئاسة الأهلي أو أعضاء شرفه من أبناء ملك.. فالنصر.. سبق الأهلي بذلك عندما ترأسه الأمير عبدالرحمن بن سعود (وهو بانيه الحقيقي) قبل 50 عاماً وفي حياة والده الملك سعود -رحمهما الله جميعاً- كما ترأسه الأمير سلطان -رحمه الله- وترأس أعضاء الشرف الأمير منصور وجميعهم من أبناء الملك سعود. والهلال.. ترأسه الأمير هذلول بن عبدالعزيز وهو الآن رئيس مجلس أعضاء الشرف وهو ابن الملك عبدالعزيز.. لا أدري.. كيف ننسى أو يفوت علينا أن عبدالعزيز مؤسس هذا الكيان العظيم كان ملكاً، بل وأول ملوك هذه البلاد؟..
النصر والخليج..
أما ما يتعلق بتغيير شعار النصر من علامة النصر V إلى خريطة الجزيرة العربية فقد أشار إلى ذلك الدكتور أمين ساعاتي في حديثه لجريدة الجزيرة الجمعة الماضية (العدد 14491 وتاريخ 1 يونيو) وهو أول من ألف في التأريخ الرياضي وعاصر تلك الفترة من التأريخ عندما قال إنه اقترح على الأمير عبدالرحمن تغيير الشعار لأنه لا يليق بنا كمسلمين خاصة وأنه تواكب في تلك الفترة مع هزيمتنا في حزيران ورفع الجنود الإسرائيليين بها كإشارة للنصر إلا أنه يرحمه الله لم يتقبل المقترح وكتبه أمين ساعاتي في مجلة اليمامة وجاء أمر رعاية الشباب إبان فترة الأمير خالد الفيصل بتغييره.. ولم يجزم الدكتور أمين بمعلومة التوجيه السامي الكريم بذلك.
أما نادي الخليج..
ففي نهائي كأس الملك بين الشباب والأهلي في افتتاح إستاد الملز (الأمير فيصل حالياً) وكان النسر من سيهات ثالثاً وعند تسلمهم الميداليات البرونزية قال الملك فيصل يرحمه الله لهم إن النسر اسم غير لائق (عطفاً على أسلوبه في اصطياد الفريسة ونوعيتها.. إلخ) والبعض يراه نذير شؤم ووجه بتغيير الاسم وقام أبناء النادي بتغييره فيما بعد إلى الخليج. ونحن نعرف ونلحظ كيف أن قيادتنا الرشيدة أثناء رعايتها للمباريات يداعبون الأندية واللاعبين خاصة الملك فيصل الذي عرف بثقافته الواسعة وذكائه، وكان يبدي العديد من الملحوظات.. ففي نهائي كأس 87هـ ـ67م بين النصر والاتحاد قال لحارس الاتحاد تركي بافرط الذي كان سداً منيعاً أمام الهجمات النصراوية وقاد فريقه للفوز (أنت خط ماجينو) وخط ماجينو كما هو معروف أنشاته فرنسا بعد الحرب العالمية الأولى ضمن إسترتيجية دفاعية وينسب لوزير حربيتها أندريه ماجينو الذي نادى بنظرية الدفاع الثابت. وفي نفس المباراة قال مداعباً لاعب النصر سعود أبو حيدر وكان قليل الشعر في رأسه وبنيته صلبه (حتى أنت يا هالشايب تلعب معهم). وقال لسعيد غراب في نهائي للأهلي ذات مرة أن الغراب تتشاءم منه العرب المفروض أنت العقاب، وأطلقت عليه الصحافة هذا الاسم فترة ثم تخلت عنه.. فهل نقول إن لقب الغراب تغير بأمر ملكي؟.
أعتقد..
أنّ هناك فرقاً كبيراً وواضحاً بين الأمر الملكي الصريح والموثق باختيار الاسم وبين التوجيه بالتعديل أو التغيير.. وهناك فرق بين الاسم والشعار.. وعلى سبيل المثال فإن ريال مدريد الإسباني عندما تأسس عام 1902 كان يسمى فريق مدريد لكرة القدم وفي عام 1920 تم تعديل مسمى الفريق من قبل ملك إسبانيا آنذاك الفونسو الـ 13 وأصبح ريال مدريد أو النادي الملكي. ولم يعترض أنصار برشلونة الآن أو يحاولوا سحب اللقب كونهم الأكثر فوزاً بكأس الملك.. أعود للتأكيد مرة أخرى.. أنني هنا لا أتبنى وجهة نظر دون أخرى بقدر ما أطرح رأياً شخصياً وفق نقاش هادئ وعقلاني متقبلاً الرأي الآخر داعياً لأن نكون أكثر رقياً وثقافةً في حوارنا وفي طرح رؤانا دون إقصاء لوجهة نظر الآخرين. والله من وراء القصد،،،