(ميكيافيلية) النقد..
وتشكيل الرأي..
يحتاج اللاعب إلى إعادة تأهيل ذاتي وبدني بعد انقطاعه فترة عن التدريبات سواء بسبب الإصابة أو الإجازة.. حيث يفقد مخزونه اللياقي وينخفض ويفقد حساسيته على الكرة..
ويبدو أن الكاتب هو الآخر يتعرض لهذه الحالة..
وإذا كان الوضع بالنسبة له (أي الكاتب) يختلف من حيث توفر عوامل التقنية ووسائل الاتصال التي تبقيه في بؤرة الأحداث إلا أن الصعوبة تكمن في عودته إلى (طقوس الكتابة) وممارستها كمهنة والتعامل معها كعمل انقلابي..
الأمر الآخر.. الأكثر أهمية أن هذا يعتمد على الكاتب نفسه وطريقة تعامله مع الإجازة ونظرته إليها..
هذه المرة..
رأيت أخذ إجازة امتدت إلى أكثر من شهرين (بما فيها إجازة العيد) بعد التنسيق مع الزميل رئيس التحرير الذي وافق على طلبي مشكورا.. بعد سنوات من الكتابة المتواصلة..
وقررت أن ابتعد فيها زمانا ومكانا عن الأحداث ومتابعتها وأخذ قسط كامل من الراحة عدا بعض المتابعات من خلال النت التي تضع الحدث أمامك دون أن أدخل دائرته..
هنا..
يحتاج الكاتب إلى إعادة تأهيل تمكنه من الدخول إلى دائرة الأحداث بلياقة عالية تساعده على العطاء داخل الميدان..
أحداث كثيرة..
مرت خلال الفترة الماضية.. بعضها يحتاج التوقف عنده ومناقشته.. والبعض الآخر من (لغو الصيف) ــ بعد الإذن من عبدالله بخيت ــ ومنها ما هو تكرار لسيناريوهات ومواضيع أو أحداث متشابهة بهدف الحضور الإعلامي والبقاء في دائرة الضوء.. أو التسويق والبقاء في ذهنية المتلقي..
نحن الآن..
داخلون على موسم جديد سوف ينطلق بعد ساعات من نزول هذا المقال ويمكننا القول إنه بدأ عمليا قبل أن يبدأ كحدث وتوقيت..
موسم يتصف بالتغيير والتجديد في كل شيء والرغبة الصادقة في التحديث والتطوير ومسايرة العصر..
الأمير نواف بن فيصل..
الرئيس العام لرعاية الشباب ورئيس اتحاد كرة القدم ورجل المرحلة هو من يقود هذا التغيير والتطوير بنفسه ويقف على هرمه.. عندما بدأ بنفسه كدليل على هذه الرغبة وأعلن تواجده في موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) وتواصله المباشر مع الوسط الاجتماعي والرياضي مباشرة للوقوف عن كثب على آرائهم وتطلعاتهم وقياس نبض الشارع دون وسيط.. مؤكدا بذلك على روح الشفافية وروح الانفتاح التي يتمتع بها ورغبته الصادقة في العمل وفق أسس صحيحة وسليمة.. مضيفا إلى ذلك دعوته رؤساء اللجان والمعنيين باتخاذ الخطوة نفسها والتواصل مع المجتمع الرياضي والاستماع إلى آرائهم..
وامتد هذا التغيير ليشمل لجان اتحاد كرة القدم تغييرا جذريا سواء كعناصر أو كمنهج.. من خلال تجديد اللوائح والقوانين وتحديد المهام.. سواء بالدمج أو الإلغاء أو التعزيز واعتماد مبدأ المساواة والوضوح واحترام القرارات..
وعلى مستوى المنتخبات..
تغيير جذري شمل الأجهزة الفنية والإدارية على جميع المستويات ودعم العنصر الوطني وإعطاؤه الثقة..
وتغيير الجهاز الفني والإداري للمنتخب الأول والتعاقد مع واحد من أشهر مدربي العالم (فرانك ريكارد) من المشهود لهم بالكفاءة سواء على صعيد المستوى أو النتائج وعبر تاريخه كلاعب وقائد لمنتخب بلاده أو كمدرب فيما بعد وينتمي لمدرسة من أفضل المدارس الكروية في العالم وهي المدرسة الهولندية وأحد رواد كرتها الشاملة..
وحتى على صعيد هيئة المحترفين وتنظيماتها..
والنقل التلفزيوني..
وغير ذلك من موجة التغييرات التي تهتم بشؤون كرة القدم..
هذه التغييرات تجعلنا نتطلع إلى موسم رياضي ناجح نتفاءل من خلاله بمستقبل أفضل للكرة السعودية.. ولا يمكن أن يتحقق النجاح لهذه التغييرات وتؤتي أكلها ما لم يتوافق معها (دعم لوجستي) من المجتمع الرياضي بمختلف شرائحه ومستوياته..
و(الدعم) الذي أعنيه هو الوقوف مع هذه التغييرات ومساندتها ــ على الأقل ــ حتى تتضح الرؤية حيالها وتتبين الإيجابيات منها والسلبيات..
للأسف الشديد..
إن كل شيء لدينا ــ وأعني في الرياضة خاصة كرة القدم ــ يتطور ويتحسن..
أو على الأقل يسعى لذلك.. عدا الإعلام الرياضي الذي ظل عاجزا عن مسايرة الوضع أو بالأحرى لا يرتقي إلى مستوى هذا التغيير الذي ننشده..
نعم..
هناك تطور على مستوى الانتشار والتوسع الأفقي..
وقد نشهد تطورا على المستوى التقني في هذا الموسم بإذن الله من خلال النقل التلفزيوني وإسناده إلى شركات متخصصة في هذا المجال..
لكن ما أعنيه هنا..
هو التطور في المضمون بما يواكب هذا التطور في التقنية والتوسع في الانتشار..
ليس من عادتي..
نقد الإعلام الرياضي باعتباري أحد المنتمين إليه.. لكنني أبيح اليوم ذلك لنفسي من باب العموم دون تحديد لأسماء أو جهات بعينها.. كما أنني أنقل هنا (نبض الشارع) الذي كثيرا ما يواجهني بهذه التساؤلات مع تأكيدي على(التبعيض) دون (التعميم).
النقد لدينا بصورة عامة..
وفي المجال الرياضي وكرة القدم على وجه الخصوص تحول من (وسيلة) تهدف إلى الإصلاح والتقويم إلى (غاية) تبررها (الوسيلة).
ومن نقد (الميكيافيلية) ونبذها إلى (ميكيافيلية) النقد وتبنيه..
وأصبح الكل يمارس (التنظير)
والكل يطرح (الحلول)
والكل يملك مقومات (التوجيه)
والكل أصبحوا (نقادا رياضيين)..
وهذا ما يذكرنا بالمثل الشعبي الدارج لدينا (أهل... نقادة) كناية عن نقدهم لكل شيء في مجتمعهم وللأفراد سواء في ذاتهم أو تصرفاتهم.. وسواء كان ذلك من قبيل المزاح والـ(عيارة) أو من قبيل الجد والانتقاد.
والإعلام بصورة عامة..
وأضواء الإعلام ولقب (إعلامي) تغري الباحثين عن الذات وتصبح لدى البعض أشبه بالإدمان لمن لا يملك القدرة على التعامل معها وكبح جماح ذاته..
ووسائل الإعلام ــ للأسف ــ هي من ساهم في ذلك ولا زالت تساهم..
وطبيعة النفس البشرية السير وراء السلبيات وتتبعها بل وتنميتها والمساهمة في انتشارها أكثر من اهتمامها بالإيجابيات..
ولو طرحت موضوعين في وسيلة إعلامية.. أحدهما ينتقد الأداء لدى جهة ما بغض النظر عن مصداقية الطرح..
وآخر يثني على الأداء حتى لو كان يملك كل القرائن المثبتة لذلك والداعمة له.. لحظي الأول بالنسبة الأكبر من المتابعين والمهتمين بل ربما المصدقين والمتبنين له وهذا ما يؤدي إلى ظهور ما يسمى بـ(ثقافة القطيع) وتناميها في المجتمعات..
فالصوت الإعلامي..
مؤثر ويصنع رأيا بغض النظر عن مدى مصداقية هذا الرأي من عدمه..
ولذلك يسعى كثيرون سواء على مستوى الأفراد أو الكيانات وحتى الدول لاستثمار الإعلام وتوظيفه لتمرير مخططاتهم وأرائهم وتوجهاتهم ونقلها إلى الشارع لتبنيها والتأثر بها..
(بعض) من هذا ينطبق على (بعض) من إعلامنا في هذه الفترة وللأسف الشديد..
ريكارد..
أحد أعظم لاعبي هولندا وكرتها الشاملة.. وأحد أفضل مدربي العالم من خلال قيادته لفريق برشلونة في عصره الذهبي وإعلامنا يشهد بذلك.. شأنه شأن أي إعلام آخر فرض (ريكارد) نفسه عليه بكفاءته وتاريخه..
هذا الـ(ريكارد) تحول بين غمضة عين والتفاتتها لدى بعض إعلاميينا من حال إلى حال..
فهو مدرب ضعيف الشخصية ويرضى بالتدخل في عمله لمجرد إبعاده للاعب وضمه لآخر.. وهم بهذا لا يتهمونه فقط.. بقدر ما يتهمون المسؤول الأول وقيادة المنتخب..
وهو الذي عجز عن صناعة التفوق على منتخب عمان وأخطـأ في قراءته للمباراة وتعامله معها..
وقد يأتي يوم يقولون فيه.. أنه وجد فريقا جاهزا في برشلونة مرصعا بالنجوم يساعد أي مدرب على النجاح في تقليل من كفاءته وقدراته.. وستذكرون كلامي هذا ذات يوم.. إذا لم تساعده الظروف على النجاح لا سمح الله..
وكأن هؤلاء عاشوا معه في برشلونة وعايشوه في حياته العامة وعمله ليتعرفوا غلى شخصيته ويحكموا عليها..
وكأن الحكم على مدرب (أيا كان) سواء ريكارد أو فيرجسون أو...
أو حتى مدرب مغمور يأتي من خلال مباراة واحدة أو شهر واحد قضاه مع الفريق ناهيك من أن هذا الفريق عاد لاعبوه من إجازات قصيرة بعد موسم حافل بالإجهاد يحتاجون لوقت من التأهيل النفسي لممارسة حياتهم الكروية بصورة طبيعية..
والنقل التلفزيوني..
هو الآخر.. لم يسلم من هذا النقد المسبق.. فالقناة الرياضية السعودية أو قناة الوطن التي يجب أن نقف معها ونعينها بالنقد الهادف والتقويم الذي يعينها على أداء رسالتها غير مؤهلة في نظر هؤلاء لتكون في مستوى الحدث وستعجز عن أداء رسالتها لأنها لا تملك الإمكانات المؤهلة لذلك.. وكأن هذه الإمكانات محصورة فقط في (القناة ذاتها) دون أن تستعين هذه القناة أو تستقطب أو تبحث عن هذه الإمكانات وتوظيفها..
و(الخبير الرياضي)..
أو الشركة الناقلة هو الآخر كذلك لأنهم نظروا للاسم فقط دون النظر للمضمون كمن يكتفي بالعناوين دون الدخول إلى صلب الموضوع.. رغم توضيح المتحدث الرسمي لوزارة الإعلام..
هؤلاء في نظري..
ومن خلال آرائهم وأطروحاتهم لا يخرجون عن واحد من ثلاثة..
ــ إما..
أنهم يقعون تحت تأثير عواطفهم ولا يملكون القدرة على التحكم فيها وتغليب لغة العقل على لغة العاطفة.. مهما ادعوا ذلك..
ــ أو..
أنهم لا يجيدون لغة التعامل مع الإعلام.. بمعنى أنهم لا يفهمون اللغة الإعلامية ومدى تأثيرها على تشكيل الرأي العام وبالتالي فهم لا يفرقون بين ما يقال.. وما لا يقال.. ومتى يقال.. ؟ وكيف.. ؟
ــ أو..
أنهم يدركون ذلك ويريدون استثماره لتمرير رؤى معينة وفرضها كواقع لتشكيل رأي عام يدعم هذا التوجه..
والثالثة هذه هي الأخطر وأربأ بهم أن يكونوا كذلك..
لست هنا في مجال الدفاع عن أطراف دون أخرى أو مجاملة لأي من أولئك بدءا من رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم ومرورا بلجانه والأجهزة الفنية للمنتخب وانتهاء بالنقل التلفزيوني... فهم ليسوا بحاجة لذلك.. كما أنني لا أبحث عن فائدة من وراء ذلك..
كما أنني لا أدعو هنا إلى إعلام يحمل الطبل والمزمار.. ويقرع الدفوف في كل محفل..
لكنني في الوقت نفسه ــ وغيري ــ لا نريد إعلاما يحمل العصا في كل موقف ويرفعها عند كل حدث..
نريد إعلاما واقعيا يتعامل مع الأحداث بعقلانية وتبصر..
يعطي الفرصة للجميع بالعمل ويعينهم عليه حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود.. عندها يحق لنا أن ننتقد ونطرح الآراء ونفند الحقائق دون أن تلومنا في ذلك لومة لائم أو تأخذنا فيه..
على أنني هنا..
لابد أن استثني كثيرا من الزملاء والوسائل الإعلامية المدركين لحقيقة دورهم وقدرتهم على أدائه على الوجه المرضي لضمائرهم أولا.. والمحقق لتطلعات وأهداف الجميع.. وهم سمة غالبة ولله الحمد..
لكن..
كما أشرت قبل قليل أن طبيعة النفس البشرية وتتبعها للسلبيات في كثير من أمور الحياة والرياضة وكرة القدم أحدها.. يجعل أصوات هؤلاء الأقرب لأذن المتلقي والأقدر على التأثير.. وبالتالي صناعة رأي تتشكل من خلاله ثقافة هي السائدة ــ وللأسف ــ وهو ما لا نبحث عنه ولا نريده بقدر حاجتنا لصوت المنطق الذي يتحدث بلغة العقل لتشكيل ثقافة مجتمعية تعرف متى تنتقد؟ وكيف تنتقد..؟