بين الانضباط .. واللا انضباط
رغم مضي أسبوعين تقريبا على مباراة النصر والهلال في كأس ولي العهد (الدور نصف النهائي) وما صاحبها من أحداث، ورغم أن لجنة الانضباط قالت كلمتها في هذه الأحداث، ورغم أن الفريقين لعبا الجولة الثانية في بطولة الأندية الآسيوية وحقق كل منهما نتيجة إيجابية.
بالرغم من هذا كله وبروز أحداث أخرى تستحق المناقشة والتعليق، إلا أن بعض القنوات الفضائية وإذاعات الإف إم لازالت تناقش القضية وتطرحها ضمن برامجها.
وبغض النظر..
سواء كنا مع أو نتحفظ على قرار لجنة الانضباط الوحيد في الأحداث التي صاحبت المباراة.. وموقفها من بقية الأحداث التي أشار لها البعض.. وأعني هنا الوسط الرياضي بصورة عامة بمختلف أطيافه وتوجهاته.. وأطراف القضية الذين هم على صلة مباشرة بالأحداث، إذ من الطبيعي أن يتم الاختلاف حول قرارات من هذا النوع.. وسواء كان هذا الاختلاف مبنيا على أسس منطقية أوتسيره العواطف والميول.. فإن التساؤل المطروح..
ما الذي تضيفه مثل هذه النقاشات من أبعاد إيجابية حول القضية؟
استمعت إلى أكثر من برنامج وأكثر من مداخلة وأكثر من رأي حول هذه القضية.. جميعها لم تخرج عن إطارين أو ثلاثة.
ــ المطالبة بطرد رادوي من المملكة.. ومعاقبة ويلهامسون.
ــ ومحاسبة حسين عبدالغني وأحمد عباس.
ــ ومحاسبة حسين عبد الغني وخالد عزيز.
نطالب بالعقوبات
ونتجاوز في منطقيتها
دون تمعن في قانونيتها وتمشيها مع اللوائح.
نعاقب على الخطأ دون دراسة لأسبابه ومسبباته.. والبحث عن جذوره حتى لا يتكرر!
أرجو أن لايفهم كلامي هذا على أنني أتحدث عن قضية محددة أو عقوبة معينة.. بقدر ما أتحدث عن وضع عام نعيشه ونعايشه.
كما أرجو أن لا يؤخذ على أنني ضد مناقشة مثل هذه القضايا وإشباعها بالرأي والنقد والتحليل.. بقدر ما أطالب بذلك وأنادي به.. ولكن في حدود المنطق والمعقول.. مما يثري ثقافة المتلقي ويفيد المسؤول ويعينه.. انطلاقا من دعوة القيادة الرياضية إلى النقد الهادف البناء وتقبلها لهذا النقد..
تصدر الكثير من القرارات ويتم التمشي بموجبها..
وكثير من العقوبات ويبدأ تنفيذها.. وربما تنتهي مدتها..
ومع ذلك نستمر في مناقشتها والتشكيك فيها.. ونبدأ في المقارنات ونتشعب فيها.. بدلا من أن نطوي صفحاتها ونمارس نوعا من التهدئة وتهيئة الرأي العام لقبولها والرضا بالأمر الواقع..
محامون.. مستشارون قانونيون.. علماء شريعة.. اختصاصيون نفسيون.. وغيرهم.. كلهم دخلوا في القضية أوأدخلناهم فيها.. وكل منهم أدلى بدلوه.. وكل منهم يفتي ويقرر.. بعضهم عن علم ودراية.. والبعض وفق رؤى شخصية ظاهرة دون تعمق في أبعاد القضية ولوائح الاتحاد وخصوصية الرياضة، حتى أن أحدهم أصدر نوع الاتهام وحدد نوع العقوبة تجاه اللاعب رادوي وما الذي يجب.. أو ماهو المفترض على الطرف الآخر أن يفعله، كل ذلك قبل مناقشة اللجنة المختصة للحادثة.. وغيره كثير يصدرونه تجاه لاعبين آخرين.
مرة أخرى..
لست ضد الاستعانة بأصحاب الخبرة في تبصير الرأي العام وتثقيفه، وشخصيا وغيري نستفيد من هذه الطروحات ونحتاجها، لكن فتح الباب بهذه الطريقة من شأنه أن يخرج بالقضية أو الحدث عن مساره الطبيعي.. ويثير الشارع الرياضي، خاصة عندما تختلف القرارات بين اللجان المختصة التي تعتمد اللوائح أو على قوانين خاصة بها ورؤى معينة تنتهجها.. وبين ما يدلي به هؤلاء ويحكمون به وهم بعيدون عن الوضع.
وبصراحة وأسى..
فإن هدف البعض من مثل هذه الطروحات والتوجهات ليس البحث عن الحقيقة بقدر ما هو محاولة التأثير على القرار.. وفق توجهاتهم وما يأملونه.. أو على الأقل إثارة البلبلة حوله فيما لو صدرعلى غير ما كانوا يبحثون عنه.
وعودة إلى لجنة الانضباط
وليعذرني أعضاء اللجنة إذا قلت إنهم يضعون أنفسهم ولجنتهم والمسؤول أيضا في موقف حرج هم في غنى عنه.
نحن هنا..
لانشكك في نزاهتهم وإخلاصهم، لكننا نتحفظ على أسلوب تناولهم الأحداث وطريقة تعاملهم معها.
ــ تفاوت القرارات تجاه أحداث متشابهة.
ــ أحداث يتم إصدار عقوبات حيالها، وأخرى لايتم الالتفات إليها.. بل وكأنها لم تحدث رغم أهميتها ووضوحها وانطباق اللوائح عليها.
وأحيانا يتم البحث عن مخارج لتلافيها والبعد عنها.
أحداث وقضايا يتم البت فيها خلال 24 ساعة.. وأخرى تتأخر بضعة أسابيع،
هذا التفاوت ألا يعطي المتلقي أو المتضرر الحق في نقد اللجنة ويضع اللجنة في موقف هي في غنى عنه.. عندما يتم اتهامها من البعض بـ (الكيل بمكيالين).
قضية لاعب الأهلي إبراهيم هزازي
دعونا نأخذها كمثال
ــ المخالفة حدثت بتاريخ 13ـ3ـ1432 الموافق 16ـ2ـ2011 في مباراة الهلال والأهلي ضمن مسابقة كأس ولي العهد.
ـ قرار العفو الشامل عن جميع الرياضيين الموقوفين صدر بتاريخ 20ـ3ـ1432 الموافق 23ـ2ـ2011
ــ قرار لجنة الانضباط صدر بتاريخ 3ـ4ـ1432 الموافق 8ـ3ـ2011 بناء على خطاب نائب مدير ملعب الملك فهد الدولي، وبعد قناعتها بما جاء فيه وتأكدها من هذه المخالفات.. وتضمن إيقاف اللاعب 9 مباريات وتغريمه 24 ألف ريال وإن القرار قابل للاستئناف، كما تضمن العفو عنه بناء على قرار العفو الشامل وبين وقوع المخالفة وصدور قرار العقوبة لعب الأهلي مباراتين في دوري زين.
ــ أمام الاتحاد يوم 21ـ3ـ1432 (بعد الحادثة بـ 8 أيام).
ــ أمام الهلال يوم 1ـ4ـ1432 (بعد الحادثة بـ 18 يوماً وقبل قراراللجنة بيومين) وكلا المباراتين عقب قرار العفو الشامل الصادر من الرئيس العام.
وإذا ما نظرنا إلى هذه التواريخ وتمعنا في سيناريو الأحداث وتسلسلها بدءا من الحادثة وانتهاء بقرارات لجنة الانضباط مرورا بقرار العفو والمباريات.. نجد أن قرار اللجنة صدر في الوقت بدل الضائع ولم يعد له ما يبرره.. إلا إذا كان الهدف منه إثبات الحضور على طريقة (نحن هنا).. خصوصا بعد كثرة الحديث عنها واتهامها بتأخير إصدار القرار.. وفي محاولة لتبرئة الذمة من هذه الاتهامات، وإذا ما قبلنا مبررات اللجنة بأن العقوبة صدرت ليتم تسجيلها على اللاعب فيما لو تكررت.. (وهذا ما سأناقشه مع مواضيع أخرى حول قرار العفو والعقوبات في مقال مقبل إن شاء الله)، وأن العفو جاء بناء على قرار العفوالشامل.
فإنه يمكن مناقشة اللجنة في أمور أخرى.
لنفرض ..
أن قرار العفو الشامل لم يصدر.. وصدر قرار اللجنة المشار إليه بإيقاف الهزازي فإن هذا يعني..
ــ أن مشاركة اللاعب مباريات فريقه في جميع الدرجات التي يحق له المشاركة فيها من تأريخ 14ـ3ـ1432 التي أعقبت الحادثة وحتى صدور القرار غير قانونية.. ومنها مباراتا الاتحاد والأهلي والهلال والأهلي في دوري زين للمحترفين (لأن مابني على باطل فهو باطل) وفقا للقاعدة القانونية.
ــ ولنفرض أن الأهلي فاز في مباراة هامة أوحساسة أو حتى عادية بهدف سجله الهزازي، ما هو موقف الفريق المقابل في هذه الحالة؟
بل ما هو موقف اللجنة؟
هل تصدر العقوبة وتتحمل تبعاتها..
أم تتغاضى عن المخالفة وتتحمل وزرها؟
دعونا من التنظير وأن القرار عندما أجريت المباريات لم يكن قد صدر بعد.. وتعاملوا مع المنطق.
حتى المسوغات التي ساقتها لجنة الانضباط أو تسوقها في بعض الأحيان لتبرير تأخيرها في اتخاذ قرار ما.. أو صدوره ليست مقبولة.. أو بالأحرى غير منطقية.. مثل انتظارها للتقارير الخاصة بحادثة إبراهيم هزازي من الجهات ذات العلاقة ــ كما تقول ــ والتي استغرقت ثلاثة أسابيع حسب تبريرها لتأخر القرار.
يقول محضر لجنة الانضباط
وباختصار شديد إن القرار جاء بناء على خطاب نائب مدير ملعب الملك فهد الدولي المبني على شهادات الشهود الكتابية والحضورية وتسجيل مرئي يثبت تصرفات اللاعب مع الجماهير ومسؤولي الملعب ورجال الأمن الصناعي... إلخ
السؤال الآن..
هل هذه الحيثيات تحتاج إلى ثلاثة أسابيع لتحصل عليها اللجنة.. وتتأكد من مصداقيتها؟
مباراة الاتحاد مع الأهلي في الدوري جاءت بعد 8 أيام من الحادثة، وأعتقد أنها كافية جدا لدراستها واتخاذ القرار وفقا لما سبق.
ومباراة الهلال مع الأهلي جاءت بعد 18 يوما وهي فترة أكثر كفاية لذلك.. بل إنها جاءت قبل يومين من صدور قرار اللجنة.
ما يطرح التساؤل حول الدقة في عملها إلى هذه الدرجة.
تلك التبريرات يمكن أن تكون مقبولة أيام الأبيض والأسود والنقل الإذاعي..
لكن في زمن المعلومة.. عندما يكون العالم بين أصبعيك تتنقل فيه كيف تشاء وتستطيع الحصول على مثل هذه المعلومات والتقارير في ساعات إن لم يكن أقل حتى لو حدثت في أقصى بقعة من العالم، يصبح مثل هذا التبرير عيبا في عمل اللجنة.
فهو.. إما
إنه اتهام لتلك الجهات بالتأخير والمماطلة..
أو..
لامبالاة من اللجنة وضعف في المتابعة واتخاذ القرار.
وفي كلا الحالين تظل اللجنة هي المسؤولة.. لأنها في بعض القرارات لم تستغرق أكثر من أربع وعشرين ساعة لدراسة الحالة واتخاذ العقوبة المناسبة تجاهها وفق لوائح اللجنة، ومتى ما استمرت اللجنة بهذه الصورة وهذا الوضع من حيث التفاوت في القرارات.. سواء في نوعها أو توقيتها وسرعة البت فيها.. ستظل عرضة للنقد من الجميع وموضع الاتهام والمساءلة..
وبالتالي..
عليها أن تعيد النظر في أسلوب عملها وتعاملها مع الأحداث حتى تكسب ثقة الجميع وتؤدي دورها المنوط بها كإحدى أهم وأخطر اللجان العاملة في اتحاد كرة القدم وأكثرها حساسية.. والله من وراء القصد.
سد الذرائع.. والروح الرياضية
أعتقد أن الاتحاديين أو على الأقل معظمهم على قناعة تامة بأن احتجاجهم المسبق على حكام مباراتهم مع شقيقهم الهلال الرومان وضرورة تبديلهم بحجة وجود لاعب روماني مع الهلال لم يكن لهذا السبب، وأعتقد أن الهدف هو نوع من الضغط النفسي على الفريق المقابل.. قد يلجأ إليه أي فريق، من حق الاتحاديين.. ولا اعتراض على هذا التصرف وقد يكون مبررا بعد الأحداث الأخيرة، ومثل هذه الأساليب تمارس كثيرا ومقبولة طالما أنها لا تتعارض مع الروح الرياضية ومبادئها السامية..
لكن..
ماذا لو وصل مثل هذا الأمر لأولئك الحكام.. ولغيرهم من تلك الدول؟
كيف ستكون نظرتهم لنا ولثقافتنا التنافسية؟
اتهمنا الحكم السعودي في ضميره وأمانته.. لأن أحد أقاربه صديق أو يجلس بجوار عضو شرف أحد الأندية.. أو أو أو.
وها نحن نطعن في كفاءة الأجانب ونزاهتهم بسبب توافق الجنسية.
اتحاد القدم وافق على هذا الاعتراض درءا للمشاكل ومن باب سد الذرائع.. وقام بتبديل الحكام.. وهو صاحب القرار.
لكن..
ألم يكن بإمكان اتحاد القدم تلافي هذا كله من البداية وعدم طلبهم.. خاصة أن هناك سابقة من نادي الاتحاد مع الهلال أيام المدرب جريتس قبل موسمين (بعد انتهاء المباراة) التي أدارها حكام بلجيك وانتهت بنتيجة كبيرة لصالح الهلال.. وهذا يضع اتحاد القدم أمام خطوة قادمة بمراعاة ذلك في كل المباريات، وأعتقد أن تغيير الحكام المفاجئ.. وفي اللحظات الأخيرة له انعكاسه السلبي على أدائهم.. كما حصل في مباراة الهلال والاتحاد أمس الأول، شخصيا لم أشاهد حكما أجنبيا بمثل هذا التواضع في اتخاذ القرارات ومتابعة الكرة والتعاون مع مساعديه، لم يكن من عادتي انتقاد التحكيم.. لأنني أحمل ذلك على حسن النية والتقدير، وإذا ما تجاوزنا دفع أسامة المولد لويلهامسون التي تحدث عنها جميع خبراء التحكيم وأجمعوا على أنها ضربة جزاء.. أو الرهيب للفريدي وغيرها من الأخطاء.. مما يمكن تصنيفه على سوء التقدير أو أية مبررات أخرى، فإن ضرب ياسر القحطاني لايمكن تجاوزه.. خاصة أن مساعد الحكم استدعى الحكم وأشار له بالحادثة، حيث ظل الحكم يتفرج على علاج ياسر دون اتخاذ قرار مما يعني..
ــ إما..
عدم ثقته بمساعده..
أو..
عدم رغبته باتخاذ قرار لأسباب لا يعلمها إلا هو..
وكلا الأمرين يؤكدا تواضع مستواه.. أو عدم حضوره الذهني ومتابعته.
وعلى هذا الأساس يفترض أن يتم اختيارهم بدقة متناهية ووفق معايير والبحث عن دول أخرى.. بدلا من الاقتصار على دول بعينها، ما يفتح المجال لطرح المزيد من علامات التعجب والاستفهام.
الأمر الأكثر أهمية.. وهو خير ما أختم به المقال.. الروح الرياضية العالية التي كان عليها لاعبو الفريقين، فرغم ما حدث من احتكاك وأخطاء خرج الفريقان بالعناق وتبادل القمصان، مما يؤكد على الروح العالية التي يتمتع بها اللاعبون وتأصيل ثقافة المنافسة لديهم واحترام كل منهم للآخر، وفصل العلاقات الشخصية عما يدور داخل الملعب.. وهذا ما نتمنى أن يكون عليه جميع اللاعبين ومسؤولي الأندية.. والله من وراء القصد.