المنحة.. والعفو بين التضخم.. والمسؤولية
لعل أبرز حدثين خلال الأسبوع الماضي على المستوى العام بعد عودة خادم الحرمين الشريفين بحفظ الله إلى أرض الوطن من رحلته العلاجية سليما معافى ولله الحمد.. التي تعتبر الحدث الأبرز.
ــ أمره الكريم يحفظه الله بصرف منحة مالية للأندية الرياضية قاربت نصف مليار ريال.
ــ أمر القيادة الرياضية ممثلة في الأمير نواف بن فيصل بن فهد الرئيس العام لرعاية الشباب بالعفو الشامل عن جميع الموقوفين أو من صدرت بحقهم قرارات تأديبية سواء كانت مادية أو معنوية, وذلك تجاوبا مع ذلك الدعم وتفاعلا معه.. وابتهاجا بعودة المليك المفدى وسلامته.
أمر خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله وتوجيهات الأمير نواف وقراره.. مرت كحدث عابر انتهى بمجرد صدوره.. في انتظار آلية تنفيذه دون تفاعل معه خاصة ما يتعلق بالأمر السامي الكريم.
لا أعني هنا تقدير هذا الأمر وتثمينه، فالرياضيون بمختلف فئاتهم وشرائحهم.. وكافة المنتمين لهذا القطاع يقدرون هذه البادرة بكل امتنان، ويدينون بالفضل بعد الله لهذه القيادة.. وقد اتضح ذلك جليا في ردود أفعالهم.. سواء ما يتعلق بالمنحة السامية أو قرار العفو..
لكن ما أعنيه..
هو كيفية ترجمة هذا التقدير..
وكيفية التعامل مع هذه القرارات..
وهو ما لم يتحدث عنه الإعلام أو يطرحه على بساط البحث والمناقشة. لقد جاء الأمر السامي الكريم بدعم الأندية ماديا في وقت مناسب حيث تعاني فيه معظم الأندية من صعوبة في تنفيذ بعض برامجها نتيجة عجزها المادي.. وحتى في أداء واجباتها بصرف حقوق المنتمين إليها خاصة اللاعبين المحترفين.. وهذا ما يعطيه بعدا آخر ويمنحه أهمية كبرى.
ومن هنا.. يأتي التساؤل
حول كيفية الاستفادة من هذه المبالغ.. وأوجه صرفها.
الأمر السامي الكريم...
كما هو معروف جاء على النحو التالي: 140 مليون ريال لأندية المحترفين وعددها 14 ناديا بواقع 10 ملايين ريال لكل ناد.
80 مليون ريال لأندية الدرجة الأولى في كرة القدم وعددها 16 ناديا بواقع 5ملايين لكل ناد.
246 مليون ريال لبقية الأندية وعددها 123 ناديا بواقع مليوني ريال لكل ناد.. وبما مجموعه 466 مليون ريال..
هذه المبالغ في نظري ــ لا أقول إنها كافية ــ ولكن من المؤكد أنها ستحل الكثير من المشاكل وتخفف معاناة الأندية.. بل ربما تجاوزت ذلك في كثير منها.. أومعظمها كعملية نسبية، وستساهم في تبرئة ذمة مجالس الإدارات أمام الجمعيات العمومية.. لكن هذا كله مرتبط بكيفية الاستفادة منها وتوظيفها التوظيف الصحيح.
نحن ندرك أن أندية الدرجة الواحدة تختلف في إمكاناتها وعطاءاتها.. وبالتالي مصاريفها وميزانياتها..
وندرك أيضا أن هناك مساواة بين أندية الدرجة الثانية والدرجة الثالثة.. أوبقية الأندية وبعضها أندية مدن وبعضها في قرى نائية.. وبالتالي تختلف أوجه الصرف ومقاديرها.
لكننا..
لابد أن نؤكد على حقيقة هامة أن الأمر السامي منحة بقصد دعم الأندية.. وليست إعانة مبنية على تقييم أداء هذه الأندية وأوضاعها..
وبالتالي...
يجب أن يكون التعامل معها وفق هذا الأساس، وأعتقد أننا يمكن أن نصنف الأندية في هذه الحالة إلى مستويين أو درجتين..
الأولى..
أندية مستقرة من حيث امتلاكها لمقرات نموذجية أو مقرات تفي بالغرض لأداء رسالتها.. لكنها تعاني من قصور في صرف حقوق المنتمين إليها من لاعبين وأجهزة فنية وعاملين..
هذه الأندية.. يجب أن تستثمر هذه المبالغ في هذه الجوانب بصورة تضمن تعميم هذه الاستفادة وشمولها لأكبر قطاع منها..
بحسبة مالية بسيطة...
ندرك أن أكبر الأندية وأكثرها مصاريفاً ورواتب من أندية المحترفين قد لا يتجاوز مجموع الرواتب الشهرية للاعبيه نصف مليون ريال.. وربما تزيد قليلا، وأنا هنا لا أتحدث عن رواتب مدربين تصل إلى مليون ريال شهريا.. أونصف هذا المبلغ، ولا أتحدث عن مقدمات عقود باهظة أوشراء عقود مبالغ فيها تتجاوز هذه المنحة، فهذه أمور تتحملها إدارات الأندية التي ارتضت ذلك..
لكنني هنا..
أتحدث عن الحقوق الملزمة والثابتة ومصادر الدخل لهؤلاء اللاعبين (رواتب)، وأعتقد أنها الأولى بالاستفادة من هذه المنحة.. إلى جانب تحديث أو توفير بعض المستلزمات الضرورية في النادي بما ينعكس على أدائه لرسالته وبرامجه، أما أن يتم صرفها لشراء عقد لاعب أو التعاقد مع آخر سواء كان أجنبيا أو محليا.. مما يضيف أعباء مالية أخرى على النادي.. وقد لايعود عليه بالفائدة.. أوتسديد التزامات لمدربين أو لاعبين أجانب لم يعد لهم وجود في ملفات النادي وسجلاته، لكن بعض الأخطاء الإدارية جعلت النادي يتحمل مثل هذه الأعباء، فإن أمرا كهذا في نظري لايتماشى وتطلعات القيادة وهدفها من هذا الدعم، صحيح إن الأندية حرة في الاستفادة منها بالطريقة التي تراها مناسبة، لكنني اتفق مع ما ذهب إليه أمين عام اتحاد كرة القدم فيصل عبدالهادي من أن ابن الوطن أولى بها من غيره، ولعله يعني بطريقة غير مباشرة مستحقات المحترفين السعوديين المتأخرة لدى بعض الأندية، وأن هناك أولويات يجب الأخذ بها للاستفادة من هذه المبالغ.
والحديث أعلاه يشمل أندية المحترفين وأندية الدرجة الأولى التي لاتطبق الاحتراف لكنها تمنح لاعبيها مكافآت ومحفزات مالية.. ولديها التزامات أخرى.
الثاني:
بقية الأندية وعددها 123 نادياً وهذه يمكن تصنيفها إلى فئتين:
الأولى:
أندية الدرجة الثانية.. ولديها طموح بالصعود إلى الدرجة الأولى.. وبعضها تقع في مدن وبالتالي فإن التزاماتها تختلف عن الفئة الأدنى رغم تساويها في المنحة (مليونان لكل ناد).. سواء من حيث الأجهزة الفنية أو مستلزمات النادي والمكافآت وغيرها، وهذه يجب أن تستثمر هذه المبالغ بصورة تحقق من خلالها طموحاتها وآمالها.
الثانية:
أندية صغيرة بإمكاناتها وأوضاعها.. وربما أيضا موقعها الجغرافي.. الكثير من الأندية لا نعرف أسماءها ولامواقعها.. وربما لاتملك أي نشاط رياضي غير كرة القدم، مثل هذا النوع من الأندية ربما كان مبلغ المليونين أكبر من إمكاناتهم، ولم تعرف أرصدتهم أوتمر عليها مثل هذه الأرقام.
هذا النوع من الأندية..
يفترض أن تمثل هذه المنحة نقطة تحول في مسيرته ورسالته نحو المجتمع.
أعرف ناديا من أندية الدرجة الثانية ـ على ما أظن ــ أو الثالثة لديه طموحات كبيرة.. وفي مدينة قريبة من العاصمة.. ومعروف، قال لي أحد مسؤولية ذات مرة إن مليون ريال كافية جدا كميزانية سنوية له، وهذا يعطي مؤشرا كافيا لمستوى الصرف وكيفيته في هذه الأندية.
وهناك أندية لا تمثل ميزانيتها السنوية 10% من المنحة السامية..
هذه الأرقام..
تجعلنا نؤكد على أهمية التعامل مع هذه المنحة وترجمتها إلى واقع عملي يستفيد منه منسوبو النادي..
بل يفترض..
في مثل هذه الأندية أن يمتد نشاطها وبرامجها إلى أبناء المنطقة ككل.. وأن تتحول إلى مراكز شبابية وثقافية تساهم في رفع مستوى الوعي لدى الشباب واستثمار طاقاتهم وشغل أوقات فراغهم بما يفيد.
مليونا ريال..
لمثل هذه الأندية كافية لبناء مقر نموذجي (كعملية نسبية).. أوعلى الأقل لوضع برامج على المدى البعيد يستفيد منها أبناء المدينة أو القرية.. بل تستفيد منها هذه القرى والمدن الصغيرة وبصورة عامة.
الذي نخشاه..
أن تتحول مثل هذه المبالغ إلى (تضخم) – إن صح التعبيرــ كما في لغة الاقتصاد، وأن تقف بعض الأندية أمامها (فاغرة فاها).. أو تصرفها بطريقة غير مقننة مما يلغي الهدف منها وتطير في غمضة عين.
لا أريد هنا..
أن أتدخل في الخصوصيات.. لكن ألايحق لي أن أتساءل:
هل يمكن وضع لجان لمراقبة كيفية التصرف بهذه المبالغ؟
أو على الأقل وبلغة أخرى طلب تقارير مسبقة عن الآلية التي ستعتمدها الأندية في كيفية الاستفادة من هذه المنحة وأوجه صرفها، وتقارير لاحقة وموثقة عن أوجه الصرف هذه وكيف تم صرفها.. مجرد تساؤل؟
الأمر الثاني:
كنت ولازلت أتحفظ على قرارات العفو الشامل.. أو العفو عن نصف المدة لأسباب ذكرتها في أكثر من مقال.. لكن الوضع اليوم يختلف.
عودة خادم الحرمين الشريفين سليما معافى.. تتطلب منا الحمد والشكر والتفاعل مع هذه المناسبة كل وفق إمكاناته وتوجهاته، لهذا جاء قرار الأمير نواف بن فيصل بالعفو الشامل عن جميع الموقوفين..
هذا القرار..
يتطلب تفاعلا إيجابيا معه من أصحاب الشأن، وأعني هنا الذين شملهم العفو أو الآخرين المنتمين للوسط ذاته بأن يكونوا على مستوى القرار ومستوى العفو.. أن يرتقوا بفكرهم وثقافتهم إلى مستوى المناسبة التي أدت إلى صدوره..
هذه ناحية..
والأخرى..
أن هذا القرار جاء متزامنا مع بداية عهد الأمير نواف في قيادة الحركة الشبابية والرياضية في المملكة..
وبالتالي..
أن يتجاوبوا مع هذه البداية بفتح صفحة جديدة في نوعية التعامل مع الأحداث، وأن يرتقوا بفكرهم وثقافتهم (أيضا) إلى مستوى المرحلة التي تعيشها الآن.. ومتطلبات هذه المرحلة، القرار لم يكن مجرد تعبير عن فرح أو ابتهاج بهذه المناسبة، لكنه إلى جانب ذلك رسالة لهؤلاء بأن (العفو عند المقدرة)، وأن يكونوا على مستوى المسؤولية في عدم تكرار الخطأ والبعد عن ما يعترض مسيرة العمل الشبابي والرياضي أو يؤثر سلبا على معطياته. نحن ندرك أن الخطأ وارد، وأن العمل في هذا المجال تشوبه الكثير من المحاذير، وأن الرياضة.. وكرة القدم على وجه الخصوص وما يصاحبها من أفعال وردود أفعال عرضة لارتكاب الأخطاء وتجاوز الخطوط الحمراء.. أوالخروج عن النص في بعض الأحيان..
لكن ..
هناك تجاوز مقبول، وهناك خروج مبرر عندما يدور ذلك في إطار اللعبة والخطأ الوارد. وهذا جزء من اللعبة وسنة من سنن الحياة.
ما أعنيه يدركه الجميع دون دخول في تفاصيله، ويدركه أيضا من يعنيهم الأمر ويشملهم القرار.. والله من وراء القصد.