بين التدبر .. والتقدير
وفي أنفسكم أفلا تبصرون
مع إطلالة عيد الفطر المبارك وفي ثاني أيامه وبنفس طاقمه الإداري والفني حقق منخبنا لذوي الاحتياجات الخاصة في كرة القدم إنجازا سبق أن حققه قبل أربع سنوات وهو فوزه بكأس العالم لذوي الاحتياجات الخاصة ومن أمام نفس المنتخب .. وهو المنتخب الهولندي وبمشاركة منتخبات عالمية تقف في الصفوف الأولى من العالم المتقدم ثقافيا وعلميا وصناعيا .. مما يعني كفاءة الإنجاز وأهميته وصعوده لمرتبة الإعجاز ..
وكأنما يعيد التاريخ نفسه .. في تعاملنا مع الحدث إشادة .. وثناء .. ومطالبة بالتكريم .. وربما لو أن هذا المنتخب حقق الإنجاز لمرة ثالثة .. لتكرر السيناريو ذاته ..
وهكذا .. دون تفعيل لعملية التكريم .. والتقدير لهؤلاء الأبطال .. وقبل الدخول في التفاصيل لابد من التأكيد على نقطة هامة وهي المقصود بـ (ذوي الإحتياجات الخاصة) في هذا المنتخب .. حيث يخطئ كثيرون في الخلط بينهم وبين المعاقين ذهنيا .. أو جسديا .. ولعل من إيجابيات فوز هذا المنتخب بكأس العالم الماضية .. أن فتح أذهان الكثيرين على دلالة هذا المصطلح ومعناه ..ويأتي هذا الفوز ليؤكد هذه الحقيقة .. ويزيد من ثقافة هؤلاء .. وإن كان البعض .. لازال في دائرة عدم الفهم هذه .. ويعنى بهذه الفئة .. أولئك الذين تقل درجة الذكاء عندهم عنها لدى متوسط الذكاء لدى الإنسان العادي إلى درجة معينة وفق مقاييس ومعايير دولية .. وهي أقل من 75% من معدل الذكاء .. هذا الفوز وهذا الإنجاز يضعنا أمام حقيقتين هامتين في نظري ..
أولاهما ..
تعبدية .. تدبرية
الثانية ..
ـ تقديرية .. تكريمية
..الأولى ..
بمعنى أنها يجب أن تعمق إيماننا بالخالق جل وعلا .. وأن نتدبر آياته ومعجزاته (وفي أنفسكم افلا تبصرون) .. وهذا ليس تقليلا من هذه الفئة .. بقدر ماهو رفع لمكانتها .. وتقدير لمنجزها .. !!
فالله سبحانه وتعالى .. لم يخلق شيئا على وجه هذه البسيطة إلا لحكمة .. وأمرنا أن نسعى في الأرض .. وأن نتدبر في ملكوته وفي شئون خلقه وشجونهم .. (ربنا ماخلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار) .. ولايوجد إنسان كامل في هذه الدنيا .. وإذا ماابتلانا عز وجل بنقص في مال .. أو خلق ...أو جوع .. أو غيرها .. فإنما جاء ذلك لحكمة .. أن نتدبر في أنفسنا وذواتنا .. لنجد هذه الحكمة .. ونجد تعويضا عنها في مكمن آخر ..
والبعض ــ وللأسف ــ يفسر قوله تعالى (لايكلف الله نفسا إلا وسعها) تفسيرا خاطئا .. ــ في نظري ــ فيركن أحيانا إلى الخنوع .. بهذه الحجة .. وأن هذا العمل فوق طاقته مرددا هذه الآية الكريمة .. في حين أنه لو بحث في داخل ذاته .. أو جاهد نفسه قليلا لتمكن من تحقيق مراده ..
وحسبي أن الله عز وجل أراد بتلك الآية الكريمة أنه سبحانه عندما يأمر نفسا .. أو يكلفها بعمل .. فهو يدرك أنها قادرة على أدائه والقيام به .. وأنه في حدود طاقتها واإمكانياتها .. وهي دعوة للطموح وعدم الاستكانة .. والركون إلى الحدود الدنيا من القدرة والإمكانيات ..
الثانية ..
تقديرية .. تكريمية
وهي تقدير هؤلاء الأبطال.. وتكريمهم .. ومن وراء هذا الإنجاز بما يستحقون وما يتناسب مع حجمه ..
لاشك أن مبادرة امير المنطقة الشرقية الأمير محمدبن فهد بن عبدالعزيز .. والرئيس العام لرعاية الشباب الأمير سلطان بن فهد بن عبدالعزيز ونائب أمير المنطقة الشرقية الأمير جلوي بن عبدالعزيز بن مساعد بالاحتفاء بهم واستقبالهم وتكريمهم ماديا .. ومن ثم تفاعل رجال الأعمال في المنطقة الشرقية والمساهمة في هذا التكريم .. نقطة إيجابية تحسب لهؤلاء .. ويجب أن تكون نقطة البداية لتكريم أشمل وأعم .. ودعوة رجال الأعمال وغيرهم لتكريمهم والاحتفاء بهم لاتكفي .. لأن هؤلاء .. لايمكن أن يبادروا لمثل هذه الأعمال .. مالم تكن هناك آلية واضحة لمثل هذه الدعوة .. عدا بعض التجاوبات الفردية .. كما حصل من فهد المطوع رئيس نادي الرائد وهو يعلن التبرع بدخل مباراة ناديه الرائد مع الاتحاد في دوري زين لهؤلاء .. وهي خطوة تحسب لفهد ويشكر عليها .. لكن ما أعنيه .. هو تحرك حقيقي وفاعل لتكريمهم تقديرا لما قاموا به من إنجاز .. متمثلا في نقاط ثلاث:
..أولا ..
إقامة حفل تكريم يليق بما حققه هؤلاء الأبطال من إنجاز .. ودعوة رجال الأعمال بشكل رسمي وغيرهم من مؤسسات القطاع الخاص لتكريمهم .. لأن كثيرا من رجال الأعمال والمؤسسات وغيرها .. لايمكن أن تبادر من تلقاء ذاتها .. لخطوة كهذه .. إما تهاونا .. أو.. عدم معرفة آلية التكريم .. أو بحثا عن الاطمئنان في تحقيق التكريم هدفه .. وأن يكون ذلك في أقرب فرصة ممكنة .. والإنجاز في فورته ..
الثاني ..
تحديد آلية واضحة للتكريم سواء بالنسبة للمكرمين (بكسر الراء المشددة) .. او المكرمين (بفتحها) .. وعدم ترك الأمر على عواهنه .. بما يتيح الفرصة للبعض باستثمار هذه المناسبة لتحقيق ذاته من خلالها أو الاستفادة الشخصية .. كما حصل مع المنتخب الوطني وتأهله لكأس العالم 2006 عندما أعلن أحدهم تبرعه بقطع اراض للاعبي المنتخب .. كانت مثل (بيض الصعو) ــ على حد تعبير المثل الدارج ــ (يذكر ولا يشاف) .. وغيرها من مناسبات التكريم التي عايشناها .. !! أو .. أن يستفيد من التكريم آخرون .. على حساب المستحق الحقيقي للإنجاز والتكريم .. فيظهر هؤلاء في الصورة .. وكأنهم وراءه .. وأبطاله ..نعم .. القيادة الرياضية .. والرئاسة العامة لرعاية الشباب .. كان لهم دور في دعم هذه الفئة .. ودعم المنتخب .. والاتحاد السعودي لذوي الاحتياجات الخاصة .. له دوره .. هو الآخر في التخطيط والترتيب .. وإعداد المنتخب .. وكل هؤلاء يستحقون التقدير .. لكن أبطال الإنجاز الحقيقيين من كفاءات فنية .. إدارية .. أو لاعبين .. هم الأولى بأن يكونوا في الصفوف الأمامية .. سواء من حيث التكريم أو نسبة الإنجاز لأهله ..
الثالث ..
لاشك أن التقدير المادي له دوره .. في حفز هؤلاء على المزيد من العطاء .. وإشعارهم بأن ماقاموا به من عمل .. هو مقدر لدى المجتمع .. قبل المسؤول .. أو كما هو مقدر من قبل المسؤول .. لكن هناك التقدير المعنوي .. وهو مالايقل أهمية عن التقدير المادي .. وأعني تلمس حاجات هذه الفئة على الصعيد الأسري .. والاجتماعي .. وحتى على الصعيد الفردي .. ومايواجهونه من صعوبات .. حياتية وعملية ووضع الحلول لها .. وهذه مسؤولية مشتركة بين المجتمع والمسؤول .. إن بعضا من هؤلاء .. وربما كثيرمنهم .. يعاني فعلا من بعض الظروف .. وسبق الكتابة أو التطرق من بعض الزملاء إلى أحد هؤلاء الأبطال في البطولة السابقة ..الذي كان يعاني من بعض الظروف الاجتماعية والاقتصادية ولازال .. بين العاطفة .. والحقيقة
النقطة الأساسية .. والمهمة ونحن نتحدث عن هذه الفئة .. وتكريمهم .. أننا يجب ألا ننطلق من قاعدة العطف على هؤلاء .. أو المنة عليهم .. بقدر ماننظر لهم ككفاءات وقدرات فاعلة في المجتمع ومؤثرة فيه ..
لقد استطاع هؤلاء بهذا النجاح .. وغيره من النجاحات والأعمال .. أن يقدموا .. مالم يستطع تقديمه أسوياء في كامل صحتهم وعافيتهم .. وبالتالي لافرق بينهم وبين آخرين من حيث التفاعل والتأثير في المجتمع .. وهو ما أشرت إليه في البداية .. أن الله سبحانه وتعالى .. إذا سلب من امرئ شيئا .. عوضه شيئا آخر .. قد يعطيك الصحة .. ويسلبك المال .. ويعطيك المال والولد .. ويسلب منك الاستقرار النفسي أو العاطفي .. ويعطيك الاستقرار .. والصحة .. والولد .. ويسلبك المال .. إنها سنة الله في خلقه .. ولن تجد لسنة الله تبديلا .. ولله في ذلك حكمة .. ومن هذا المنطلق يجب أن نتعامل مع هذه الفئة وننظر إليها .. ودورها في المجتمع كعضو فاعل فيه .. وأحد أركانه الأساسية ..
رسالة .. لمن يهمه الأمر ..
بقي أن أشير إلى نقطة أخرى لاتقل أهمية .. وهي أن ماتحقق يمثل رسالة لنا كمجتمع بصورة عامة .. وكرياضيين بصورة خاصة .. من ناحيتين :
الأولى .
.أنه تحقق على أيد وطنية .. سواء في إدارة المنتخب أو جهازه الفني .. والطبي .. ولاعبيه بطبيعة الحال .. مما يؤكد أن الكفاءات الوطنية لديها القدرة والإمكانيات على النجاح وصناعة التفوق .. متى ما أعطيت الفرصة .. ومنحت الثقة .. والصلاحيات الكاملة للعمل ..
الثانية ..
الاستقرار .. وهو عامل مهم في أي نجاح .. فهذا المنتخب منذ سنوات .. وقبل البطولة السابقة .. وهويعيش استقرارا إداريا وفنيا .. مما انعكس بدوره على نجاحهم .. وتفهمهم لحاجات اللاعبين .. بقيادة مدربه الوطني عبدالعزيز الخالد الذي حقق العديد من النجاحات على الصعيد المهمني .. والإداري علي الغامدي ووزملائه من الكادر الطبي والإداري والفني . .هذا الأمر لانلمسه في أنديتنا الرياضية .. إذ إن تقييم المدرب أو نجاحه يرتبط كثيرا بنتائج الفريق .. بل المطالبة بسرعة تحقيق النتائج .. وأحيانا يرتبط برضى الإداري الشخصي وقناعاته بأداء المدرب .. وربما بشخصه .. وأحيانا الرغبة في امتصاص غضب الجماهير .. والبحث عن (مشجب) لتعليق الأخطاء .. في محاولة للهروب من الواقع الحقيقي ..
المشعل وياسر
وثقافة اللاعب ..
فقد فريق نادي الرائد نقطة مهمة وثمينه في دوري المحترفين بسبب ثقافة لاعب .. وقد يفقد الهلال خدمات لاعبه ياسر القحطاني في مرحلة هامة من بطولة آسيا للأندية للسبب ذاته ..
في مباراة التعاون والرائد ..
أخطأ طلال المشعل في طريقة تنفيذ ضربة الجزاء في الدقيقة الأخيرة من المباراة مرتين ..
الأولى ..
بتوقفه أمام الكرة .. ثم أضاعها بعد إعادة تنفيذها .. وهذه الحالة (أعني التوقف أمام الكرة) تم إلغاؤها أو منعها من قبل الفيفا واعتبارها مخالفة تستوجب إعادة التنفيذ .. قبل فترة وجيزة وتم نشرها في الصحف .. ووسائل الإعلام المختلفة .. ولو كان اللاعب متابعا لذلك .. أو كان النادي يمارس تثقيف لاعبيه بين فترة وأخرى .. لما حصل هذا الخطأ .. وأعتقد أن مسؤولية اللاعب أكبر ..في تثقيف ذاته ..
والأخرى ..
هي في عودته لتنفيذ الضربة مرة أخرى .. رغم أن القانون يجيز استبداله .. وهذا هو المفروض إذ إن وضعه النفسي .. لايؤهله لإعادة التنفيذ وقد لاحظ الجميع ذلك .. وتردده في وضع الكرة .. بتلك السهوله .. ويبدو أنه أيضا .. أو أن من حوله .. لايدرك هذه النقطة .. وهي حالة تمر على كثيرين .. كما أن تبديله يساهم في توليد نوع من الضغط النفسي على حارس المرمى .. وهي حالة يقع فيها كثير من اللاعبين .. والأندية .. وليس طلال أو الرائد ..
أما ياسر ..
فهو في البطاقة الصفراء التي نالها في مباراة فريقه الهلال أمام الغرافة القطري في ذهاب ربع النهائي لبطولة الأندية الآسيوية .. بسبب لايمكن تبريره .. ولايقع فيه لاعب عادي فكيف بلاعب في خبرة وحجم ياسر القحطاني .. !!
هذا الخطأ قد يدفع ثمنه ياسر بحرمانه من النهائي ــ مثلا ــ أو خسارة فريقه لأي مباراة وهو في حاجة إليه .. فيما لو نال إنذارا آخر لأي سبب كان .. سواء كان مقنعا أم لا .. !؟ وسواء أخطأ الحكم التقدير أم لا .. !؟
وهي أمور واردة في عالم الكرة .. والهلال يمر الآن بمرحلة حرجة .. وتبقى له مباراة الإياب ثم الدور نصف النهائي ثم النهائي فيما لو تجاوز هذه المراحل .. هنا لن اتكلم عن الرائد والهلال .. ولكن عن انديتنا بصورة عامة .. وأهمية تثقيف لاعبيها .. سواء قبل المباريات الهامة .. أو قبل بداية الموسم .. باستضافة حكم دولي يشرح للاعبين قانون اللعبة .. والجديد فيه .. وخفاياه .. وطريقة تعامل الحكم مع اللاعب .. والعكس .. ومحاضرين آخرين في مجالات أخرى لإعداد اللاعب ذهنيا ونفسيا .. إلى جانب إعداده الفني للموسم إذ إن كلا منهما مكمل للآخر ..إن أنديتنا تصرف الملايين على المعسكرات الخارجية لإعداد فرقها للدوري والمنافسات الخارجية .. وهذا حق لها وأمر جيد .. لكنها تنسى أمورا لاتقل أهمية لاتكلفها شيئا قياسا بذلك ..
,والله من وراء القصد